أين أجندة الذكاء الاصطناعي لدى عالمنا الثالث؟

أين أجندة الذكاء الاصطناعي لدى عالمنا الثالث؟
بقلم/ أ.د.خالد صلاح الدين حسن علي
أشار أ.د.خالد صلاح الدين الأُستاذ بكلية الإعلام، والمدير الأسبق لمركز بحوث ودراسات الرأي العام يجامعة القاهرة
إلى أن مصطلح الذكاء الاصطناعي قد أضحى في السنوات الأخيرة من المصطلحات الشائعة التي يتداولها العَامًة من المواطنين في العديد من الدول النامية في إطار كون التطبيقات الذكيّة قادرة على إشباع رغبات الترفيه،
والتسلية، والتواصل مع الآخرين في البيئة الرقميّة وعبر الوسائل المختلفة كالموبايل، والتابلت، والحاسوب الشخصي، ومن خلال بيئة شبكة “الويب”.
على الجانب الآخر، تتصدر دول العالم الثالث أنماطًا من النُخب التقليدية التي تعتقد أن الذكاء الاصطناعي هو رجسٌ من عمل الشيطان!،
وبخاصةٍ في ظل تراجع نفوذ النُخب الواعية من الأكاديميين، والباحثين، والمثقفين وغيرهم في العديد من تلك الدول- أي دول العالم النامي-.
وفي السياق ذاته، تعتقد حكومات العديد من الدول النامية أن الذكاء الاصطناعي ليس من أولوياتها على الرغم من أن بعض تلك الدول قد تبنت التوجه الرقمي في رؤاها القومية لعام 2030م.
ومن ثمَّ يختفي مسار الذكاء الاصطناعي لدى تلك الحكومات التي تعتقد أن أجندتها هى محاربة الفقر، والأمية، والمرض، والفساد، وتكريس الحوكمة قدر المستطاع للتناغم مع ركب الحضارة المعاصرة.
وأكد أ.د.خالد صلاح الدين على أن المُراقب عن كَثب لتعامل دول العالم الثالث- التي تُشكِّل نحو 75% من سكان العالم- مع مستحدثات الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يرصد نمطَّين من تلك الدول؛
أولهما، الدول التي اهتمت اهتمامًا بالغًا بالتقنيّات الذكيّة كما هو الحال في الهند،
وثانيهما؛ الدول التي تسعى سعيًا حثيثًا للاستقادة من تلك التقنيّات في عمليات التنمية المستدامة.
وعلى الرغم من أن الهند تضم بين جنباتها نحو 1,3 مليار مواطن إلا أنها تبنّت وبقوةٍ، وفاعليةٍ تقنيّات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات التعليمية، والإنتاجية، والمالية، والصحية، والخدمية وغيرها؛
وأبهرت العالم المتقدم في هذا الصدد مما دفع تكتل أمازون الأمريكية للتجارة الإلكترونية لاستثمار نحو 35 مليار دولار في الهند بشأن الذكاء الاصطناعي تحديدًا حتى عام 2030م،
وأكدت أيضًا شركة مايكروسوفت على الاستثمار بقوةٍ في مجالات الذكاء الاصطناعي بنحو 23 مليار دولار مع التركيز على الهند. وقد كانت الثمار يانعة
حيث ضمنّت التقنيّات الذكيّة للهند مكانةً مرموقةً في الأسواق العالمية خلال العقد الحالي من الألفية الثالثة.
كما يُتوقع أن الاستثمارات السالف ذكرها سَتُوفِّر للهند نحو مليون وظيفة رقميّة خلال سنواتٍ قليلةٍ. وتصطَّبغ البرامج التطويرية، والتنموية التي تستند لمبتكرات، وإبداعات،
وتصميمات الذكاء الاصطناعي بالصبغة المحلية الهندية. على سبيل المثال، تؤكد مصادر اليونسكو على أنَّ الهند قد نجحت نجاحًا ملموسًا
في تطوير برامج تعليمية متطَّورة من خلال توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتعليم الطلاب اللغة الهندية، والرياضيات تحديدًا.
وثمة نموذجٌ بينِّي يتمثل بدوره في بنجلاديش التي تبنّت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التصنيع، والإنتاج السلعي والخدمي الجماهيري؛
ونجحت في زيادة معدلات الإنتاجية، وفي غزو الأسواق العالمية .إلا أنَّ ثمة تقارير ودراسات تؤكد أنه بحلول عام 2030م
وسيتم الاستغناء عن 60% من العمالة؛ مما يُهدد النسيج الاجتماعي لدولة بنجلاديش التي يبلغ عدد سكانها نحو 17 مليون مواطن.
على الجانب، تُواجِه معظم الدول النامية صعوباتٍ جمةٍ في ارتياد حقل الذكاء الاصطناعي لتدني البنيّة التحتيّة الرقميّة، وغياب المهارات الرقميّة لدى الكوادر البشرية،
وضعف الاستثمارات في المجالات العلمية والبحثية، فضلًا عن غياب الإرادة السياسية بشأن التحديث؛ واللحاق بركب الحضارة المعاصرة.
وعلى الرغم من تبني العديد من الدول العربية- وتنتمي بدورها للعالم النامي- لمسار الذكاء الاصطناعي في الرؤى القومية الخاصة بها لعام 2030م؛
إلا أن العديد من تلك الدول ما زال في مرحلةٍ متأخرةٍ بشأن تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي والاستفادة منها اقتصاديًا، وتعليميًا، وثقافيًا، وماليًا، وصحيًا، وإنتاجيًا.
كما أن نصيب اللغة العربية في مضامين البيئة الرقميّة لشبكة “الويب” لا يتعدى 0.8% فقط وفقًا لإحصائيات عام 2025م!؛
كما أن عملية التطوير المنتظِّم للمعارف، والعمليات، والنماذج، والتطبيقات الذكية لا يتعدى 4% فقط وفقًا لأفضل التقديرات على المستوى العالمي للبيئة الرقميّة، ومجالات الذكاء الاصطناعي.
ويؤكد أ.د.خالد صلاح الدين بشدةٍ على أن ارتياد الدول العربية لمجالات الذكاء الاصطناعي باستثماراتٍ ضخمةٍ قد أضحى مسألة أمن قومي في ظل احتلال الكيان الإس-رائ-يلي للريادة العالمية في هذا المجال؛
وفقًا لتصنيف جامعة ستانفورد الأمريكية لعام 2024م! بشأن الدول الأكثر استفادة من تقنيّات، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ والتي تمتلك مستقبلًا واعدًا في هذا المضمار العالمي التنافسي!.
ومِلاك الأمر؛ ينبغي على عالمنا الثالث أن يُحدد أجندةً محددة المعالم لارتياد مجالات الذكاء الاصطناعي بقوةٍ وفاعليةٍ ،
والانتقال إلى العصر الرقمي بقدراتٍ تنافسيةٍ على مستوى الإبداعات ذات الدلالة والاعتبار. مع الأهمية البالغة لأن يتم ذلك في ضوء تطوير البنيّة التحتيّة الرقميّة،
ورفع المهارات لدى المواطنين بشأن تقنيّات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ واستحداث أسواقًا ناشئة واعدة قادرة على تسويق الإبداعات
والصادرة عن عالمنا الثالث في إطار “المشاركة لا المغالبة”؛ وإن كانت الكلمات الأخيرة مُستقاة من علم السياسة!.
أين أجندة الذكاء الاصطناعي لدى عالمنا الثالث؟
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


