“الحب والمصلحة”

“الحب والمصلحة”
لا يخلو قلب أي إنسان من مشاعر الحب، وإن اختلفت أنواعه ودرجاته. فالحب ليس شعورًا واحدًا جامدًا، بل له صور متعددة وأشكال مختلفة؛ منها الإعجاب، والتعود، والارتياح، وأحيانًا التملك.
ورغم أن هذه المشاعر قد تُصنَّف تحت مسمى الحب، فإن أغلبها لا يدوم طويلًا، لأن الحب الحقيقي هو الذي يجمع هذه الصفات كلها في إنسان واحد، دون شروط أو حسابات.
“الحب والمصلحة”
وقبل الخوض في الحديث عن الحب، لا بد من التمييز بين أنواعه الأساسية: الحب الصادق، وحب المصلحة، وحب التملك، إذ لكل نوع ملامحه وتأثيره الواضح في العلاقات الإنسانية.
الحب الصادق
الحب الصادق هو ذاك النابع من القلب، غير المشروط، الذي لا يقوم على انتظار مقابل. أساسه الصدق، والصراحة، والإخلاص، وهو حب يتجلى في صور كثيرة؛
كحب الله والرسول، وحب الوالدين، والأخوة، وهي مشاعر فطرية تدفع الإنسان إلى العطاء دون تردد، وإلى التضحية من أجل إسعاد من يحب.
وفي علاقات البشر، يُعد هذا النوع من الحب نادرًا في زمننا الحالي، رغم كونه الأساس الحقيقي لتماسك العلاقات واستقرارها.
فالمحب الصادق لا تحكمه الأنانية، بل يسعى دائمًا لرؤية من يحب في أفضل حال، ويعتبر نجاحه وراحته جزءًا من سعادته الشخصية.
الحب بين الزوجين
وعند الحديث عن الحب بين الزوجين، فإن الحب الصادق يجب أن يكون متبادلًا، قائمًا على الوضوح والمصارحة، بعيدًا عن الكذب والخداع.
علاقة تقوم على المشاركة، واحترام المشاعر، وحفظ الأسرار، ومساندة كل طرف للآخر في الشدائد قبل الأفراح.
فالزوج يكون سندًا لزوجته، والزوجة وسام فخر يعتز به زوجها، دون أن تتحول العيوب أو الأسرار إلى سلاح يُشهر عند الخلافات، أو وسيلة للضغط والابتزاز.
حب المصلحة وحب التملك
على النقيض، يأتي حب المصلحة، وهو حب مشروط ينتهي بانتهاء السبب. فقد يرتبط شخص بآخر طمعًا في مال أو نفوذ أو مكانة،
وما إن تزول المصلحة حتى يختفي الحب، وتتحول العلاقة إلى عبء ثقيل، مليء بالمشكلات المفتعلة، تمهيدًا للانسحاب.
أما حب التملك، فهو من أسوأ أشكال الحب
حيث يسعى أحد الطرفين إلى السيطرة الكاملة على الآخر، فيمنعه من التفاعل مع المجتمع، أو الظهور، أو بناء علاقات طبيعية.
وتتحول العلاقة هنا إلى سجن نفسي، تسيطر عليه الشكوك، والغيرة المرضية، والرقابة المستمرة، حتى يصبح كل تصرف بريء مدعاة للاتهام وسوء الظن.
الحب القائم على الشهوة
وهناك أيضًا نوع آخر من العلاقات التي تُغلف باسم الحب، لكنها في حقيقتها قائمة على الشهوة فقط. سرعان ما تنتهي بمجرد تحقيق الإشباع،
ليكتشف أحد الطرفين زيف المشاعر، ويبدأ في البحث عن بديل آخر، تاركًا خلفه علاقة خاوية لم تُبنَ على مشاعر حقيقية.
وخلاصة القول
لقد خُلق الإنسان محبًا بطبيعته، قادرًا على تنمية مشاعره وجعلها صادقة، متى كان صادقًا مع نفسه ومع الآخرين. فالحب الحقيقي تضحية، واحترام، وصدق،
وهو ما نفتقده كثيرًا في علاقاتنا اليوم، حيث يغلّب البعض مصالحه الشخصية على مشاعر الطرف الآخر، فتتعقد الحياة، وتستحيل الاستمرارية، وتنهال المشكلات بسبب غياب الصدق والتفاهم.
ويبقى الحب الصادق هو وحده القادر على الصمود، مهما تغيرت الظروف، لأنه حب لا يعرف المصلحة، ولا يخضع للأنانية، بل يقوم على العطاء قبل الأخذ.
“الحب والمصلحة”
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

