مقالات ووجهات نظر

“الرد على المشككين في نصر أُكتوبر من مذكرات قادة إسرائيل والغرب”

محمد محمود

 

 

الرد على المشككين في نصر أُكتوبر من مذكرات قادة إسرائيل والغرب

قرأتُ بعض المقالات تتحدث عن هزيمة مصر في حرب أكتوبر ١٩٧٣ ومما قرأت أن وزير خارجية بريطانيا الأسبق قال في مؤتمر حاشد أن مصر انهزمت في حرب أكتوبر، فهذا كلامٌ فارغ لا يستحق رداً لكنني مضطر للرد لأن الجيل الحالي لم يعيشوا هذه الفترة ولا يعرفوا تفاصيلها وأحداثها لذلك أردت أن أرد على كل المشككين بما كتبه قادة إسرائيل إبَّان حرب ٧٣ وليس بما كتبه قادة الجيش المصري.

تقول جولدا مائير رئيسة الوزراء السابقة وقت الحرب في كتابها بعنوان «حياتي»
ليس أشق على نفسي من الكتابة عن حرب أكتوبر ١٩٧٣ (حرب يوم كيبور) هكذا بدأت مائير حديثها في كتابها حياتي والذي تُرجِمَ إلى «اعترافات جولدا مائير» ثم استأنفت كلامها… ولن أكتب عن الحرب _من الناحية العسكرية_ فهذا أمر أتركه للآخرين، ولكنني سأكتب عنها ككارثة ساحقة وكابوس عشته بنفسي وسيظل معي باقياً على الدوام، ليت الأمر اقتصر على أننا لم نتلق إنذارات في الوقت المناسب، بل إننا كنا نحارب في جبهتين في وقتٍ واحد ونقاتل أعداء كانوا يُعِدّون أنفسهم للهجوم علينا منذ سنوات. كان التفوق علينا ساحقاً من الناحية العددية سواء من الأسلحة أو الدبابات أو الطائرات أو الرجال، كنا نقاسي من انهيار نفسي عميق، لم تكن الصدمة في الطريقة التي بدأت بها الحرب فقط ولكنها كانت في حقيقة أن معظم تقديراتنا الأساسية ثبت خطؤها فقد كان الاحتمال في أكتوبر ضئيل.
قال «موشيه ديان» وزير الدفاع الإسرائيلي في بداية شهادته على اندلاع حرب أكتوبر: إن الهجوم المصري السوري جاء مفاجأة لنا وشنَّت القوتان هجومها بكفاءة أكبر مما وضعناه لها في حسابنا عند وضع خطط الحرب، وكلاً من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية توصلا إلي أن مصر وسوريا لا تعدان للحرب رغم ملاحظة النشاط العسكري المتزايد على الجبهة، ولم نكن غافلين عن احتمال نشوب الحرب إلا أن حرب يوم كيبور اشتعلت في اليوم الوحيد الذي لم نكن نتوقعها فيه.

وذكر موشيه ديان في مذكراته كم المعدات التي نقلها المصريين إلى الضفة الشرقية من قناة السويس بعد أقل من ١٢ ساعة من اندلاع الحرب وكشف أنه حتى منتصف الليل كان المصريون قد نقلوا إلى الضفة الشرقية للقناة ٣٠٠ دبابة من مجموع ٢٢٠٠ دبابة نقلوها هناك وكان لديهم ٨٤٨ مدفع ميدان يغطي المنطقة كلها، وخصصوا لكل ميل من الأرض خمسين مدفعاً مضاداً للدروع، بينما كان مجموع ما لدينا على هذه الجبهة ٢٧٦ دبابة و٤٨ مدفع ميدان وبدأ هجوم المشاة بقوة، وبلغ عدد المصريين مائة ألف رجل ضد ٨٥٠٠ رجل من رجالنا.
واعترف ديان بفشل جيشه بمنع هجوم الجيش المصري مؤكداً: “لم نكن قد فشلنا في منع المصريين من عبور القناة فقط بل أننا لم نسبب لهم إلا خسائر طفيفة في الأفراد والمعدات ومواقعنا الحصينة على القناة تحولت إلى فخاخاً لجنودنا إذا لم نستطيع رد المصريين إلى الضفة الغربية للقناة مرة أخرى”.

ويقول«ناحوم جولدمان» رئيس الوكالة اليهودية الأسبق في كتابه: إلي أين تمضي إسرائيل؟!.

من أهم نتائج حرب أكتوبر ١٩٧٣ أنها وضعت حداً لأسطورة إسرائيل في مواجهة العرب كما كلفت هذه الحرب إسرائيل ثمناً باهظاً حوالي خمسة مليارات دولار وأحدثت تغيراً جذرياً في الوضع الاقتصادي في الدولة الإسرائيلية التي انتقلت من حالة الازدهار التي كانت تعيشها قبل عام رغم أن هذه الحالة لم تكن ترتكز على أُسس صلبة كما ظهر إلى أزمة بالغة العمق كانت أكثر حدة وخطورة من كل الأزمات السابقة غير أن النتائج الأكثر خطورة كانت تلك التي حدثت على الصعيد النفسي. لقد انتهت ثقة الإسرائيليين في تفوقهم الدائم كما اعترى جبهتهم المعنوية الداخلية ضعف هائل وهذا أخطر شئ يمكن أن تواجهه الشعوب وبصفة خاصة إسرائيل.

وقال «دافيد إلعازار» رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في مذكراته متحدثاً عن وزير دفاعه ديان أثناء الحرب: لا يمكن لأحد مهما أوتي من إسلوب في الكتابة والتصوير أن يصور هزيمة بقدر ما يراها علي وجه قائد مهزوم في تقديراته وخططه وتاريخه.. هكذا كان ديان .
ولقد صرح «حاييم هرتزوج»
الرئيس الإسرائيلى السابق: لقد تحدثنا أكثر من اللازم قبل أكتوبر ١٩٧٣ وكان ذلك يمثل إحدى مشكلاتنا فقد تعلم المصريون كيف يقاتلون بينما تعلمنا نحن كيف نتكلم لقد كانوا صابرون كما كانت بياناتهم أكثر واقعية منا، كانوا يعلنون الحقائق تماماً حتى بدأ العالم الخارجى يثق في أقوالهم وبياناتهم.
وذكر الجنرال «فارا هوكلى»
مدير تطوير القتال في الجيش البريطاني في مذكراته أن الإنجاز الهائل الذي حققه المصريون هو عبقرية ومهارة القادة والضباط الذين تدربوا وقاموا بعملية هجومية جاءت مفاجئة للطرف الآخر رغم أنها تمت تحت بصره وتكملة لهذا أظهر الجنود روحاً معنوية عالية في عداد المستحيل، وفي هذا الصدد جاءت شهادة الجنرال «إريل شارون» قائد الفرقة ١٤٢ عام ١٩٧٣: “بعد ٢٤ ساعة اتجهنا جَنوباً عبر الصحراء وكانت هناك حالة من الفوضى وأحد الضباط الأصاغر نظر إليَّ بذهول وقال أن هذا الأمر لا يصدق ياسيدى، أننا لا نستطيع إيقافهم مؤكداً لا نستطيع إيقافهم لقد فقدنا فرقتي، مات حوالي ٣٠٠ فرد وأُصيب حوالي ١٠٠٠ فرد، وكلنا من الجنود إلى قائد الفرقة أمضينا ليلة من أسوأ الليالي فى حياتنا”.
ويصرح الجنرال «شموائيل جونين» قائد جيش إسرائيل في جبهة سيناء: “الجندي المصري كان يتقدم نحونا في موجات تلو موجات وكنا نطلق عليه الرصاص ولا يقهره”.
ويكتب «هنري كيسنجر» ثعلب السياسة ووزير خارجية الولايات المتحدة في مذكراته: “فاجأتنا حرب أكتوبر على نحو لم نكن نتوقعه ولم تحذرنا أي حكومة أجنبية بوجود أي خطط محددة لأى هجوم عربى” لقد خدع الجيش المصري والسوري الجميع.
ويقول «بيرميسمير» رئيس وزراء فرنسا ٧ يناير ١٩٧٤: “دخل العالم نتيجة لحرب أكتوبر في مرحلة اقتصادية جديدة ولن تعود أحوال العالم إلى سابق عهدها قبل هذه الحرب”.

وفي كتاب «التقصير» الذي ألَّفه سبعة من كبار الصحفيين الإسرائيليين وهم: يشعياهو بن فورات، يهونتان غيفن، أوري دان، ايتان هيفر، حيزي كرمل، ايلي لندوا، ايلي تايور.
جاء ما يلى:
لقد قاتل المصريون بصورة انتحارية خرجوا نحونا من مسافة أمتار قليلة وسددوا مدافعهم الخفيفة المضادة للدبابات على دباباتنا ولم يخشوا شيئاً كانوا يتدحرجون بعد كل قذيفة بين العجلات فعلاً ويستترون تحت شجيرة علي جانب الطريق ويعمرون مدافعهم بطلقات جديدة وعلى الرغم من إصابة عدد كبير من جنود الكوماندوز المصريين إلا أن زملاءهم لم يهربوا بل أستمروا في خوض معركة تعطيلية معركة انتحارية ضد الدبابات كما لو أنهم صمموا على دفع حياتهم ثمناً لمنع الدبابات من المرور، واضطر جنود المدرعات إلى خوض معركة معهم وهم يطلقون النار من رشاشاتهم من فوق الدبابات وحقيقة لم يحدث لنا من قبل في أي من الحروب التي نشبت مع المصريين مواجهة جنود على هذا النسق من البسالة والصمود.

وفي كتاب «زلزال أُكتوبر حرب يوم عيد الغفران» لـ زئيف شيف معلق عسكري إسرائيلي…
هذه هي أول حرب للجيش الإسرائيلي التي يعالج فيها الأطباء جنوداً كثيرين مصابين بصدمة القتال ويحتاجون إلى علاج نفسي هناك من نسوا أسماءهم وهؤلاء كان يجب تحويلهم إلي المستشفيات لقد أذهل إسرائيل نجاح العرب في المفاجأة في حرب يوم عيد الغفران وفي تحقيق نجاحات عسكرية.

وفي كتاب «إسرائيل إنتهاء الخرافة» لـ أمنون كابيليوك معلق عسكري إسرائيلي كتب…
تقول الحكومة البريطانية كلما كان الصعود عالياً كان السقوط قاسياً، وفي السادس من أكتوبر سقطت إسرائيل من أعلى برج السكينة والإطمئنان الذي كانت قد شيدته لنفسها وكانت الصدمة على مستوي الأوهام التي سبقتها قوية ومثيرة وكأن الإسرائيليين قد أفاقوا من حلم طويل جميل لكي يروا قائمة طويلة من الأمور المُسَلَّم بها والمبادئ والأوهام والحقائق غير المتنازع عليها التي آمنوا بها لسنوات عديدة وقد اهتزت بل وتحطمت في بعض الأحيان أمام حقيقة جديدة غير متوقعة وغير مفهومة بالنسبة لغالبية الإسرائيليين.
وهناك من التصريحات والمقالات والمذكرات لقادة إسرائيل وأوربا تثبت للعالم أجمع أن الجيش المصري العظيم انتصر ولم يتبقى شبراً واحداً من سيناء عليها جندي إسرائيلي، وأسقط جيشنا العظيم رواية الكيان الجيش الذي لا يقهر بل كُسر أنفه وقُهر وقُتل وأُسِرَ على يد أجدادنا المصريين بالقوات المسلحة المصرية…
وإن عدتم عدنا ولكن الحرب القادمة لا تبقي ولا تذر…


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading