«روبلوكس».. اللعبة التي سرقت براءة الأطفال وتحولت إلى فخ عالمي
كتبت رنيم علاء نور الدين
«روبلوكس».. اللعبة التي سرقت براءة الأطفال وتحولت إلى فخ عالمي
كتبت / رنيم علاء نور الدين
من اللعب إلى الخطر.. كيف تسللت «روبلوكس» إلى بيوت الأطفال؟
في مساءٍ هادئ، بينما تجلس أمٌ تراقب طفلها الصغير يضحك أمام شاشة الهاتف، لم تكن تعلم أن اللعبة التي تملأ الغرفة بالضحكات تحمل وراءها عالمًا خفيًا من الخطر. لعبةٌ اسمها «روبلوكس»، ظنها الجميع مجرد تسلية رقمية، لكنها سرعان ما تحولت إلى منصة مفتوحة لا تعرف حدودًا، تسللت من خلالها يد الغرباء إلى غرف أطفال أبرياء في كل بيت.
كانت البداية بواجهة ملونة ورسومات بريئة تخطف الأنظار، تجعل الطفل يبني مدنه الخاصة ويتبادل الحديث مع أصدقاء من أنحاء العالم. لكن خلف تلك الواجهة اللامعة، بدأت تتكشف أسرار مظلمة؛ حيث وجد آلاف الأطفال أنفسهم ضحايا لاستدراج إلكتروني واستغلال لم يخطر ببال أحد.
تحقيقات وتحذيرات… البداية من الكويت
في عددنا السابق (1746)، فتحنا ملف اللعبة التي تحولت من تسلية إلى تهديد، واليوم تعود القضية لتتصدر المشهد بعد أن أعلنت السعودية والإمارات رسميًا حجب خاصية الدردشة داخل اللعبة، حمايةً للأطفال من محاولات التواصل غير الآمن.
وجاء القرار بعد شكاوى متزايدة من أولياء الأمور حول رسائل غريبة تصل لأطفالهم، ومحتويات غير لائقة تتسلل إلى غرف المحادثة. لم تكن الخطوة منفردة، إذ سبقتها تركيا، وقطر، وعُمان، والصين، والكويت التي اعتبرت اللعبة “غير آمنة” حتى يتم مراجعة محتواها بالكامل.
في الكويت، خرجت الهيئة العامة للاتصالات ببيان حاسم، قالت فيه إن اللعبة باتت بيئة خصبة لمحتويات خادعة وسلوكيات تشكل خطرًا مباشرًا على القاصرين، مؤكدة أن بعض الممارسات بداخلها “تتجاوز الخطوط الأخلاقية وتستهدف الأطفال بطرق مريبة”.
الأردن تنضم والبحرين تراقب… والحظر يتمدد
وفي الأردن، لم تتأخر الجهات المعنية عن التحرك، حيث أعلنت هيئة تنظيم الاتصالات مؤخرًا حجب غرف الدردشة تمامًا، بعد أن أثبتت الدراسات أن الأطفال يتعرضون لمحاولات تواصل ضارة ومحتويات لا تليق بأعمارهم.
أما في البحرين، فالقضية وصلت إلى قبة البرلمان، بعدما أعلن أحد النواب عزمه تقديم مقترح رسمي لإيقاف اللعبة، عقب بلاغات عديدة من أسر لاحظت تغيرات مقلقة في سلوك أبنائها بعد ساعات من الانغماس داخل «روبلوكس».
قرارات متتالية تكشف أن المسألة لم تعد “لعبة”، بل خطر عابر للحدود، يُعيد إلى الأذهان التحذيرات القديمة من “تحدي الحوت الأزرق” الذي أودى بحياة مراهقين في عدة دول.
الخبراء يحذرون: الخطر في «غرف الدردشة»
يقول المهندس محمد ماجد، خبير تكنولوجيا المعلومات، إن «روبلوكس» لم تعد مجرد لعبة، بل عالمٌ رقمي مفتوح لا يملك أحد السيطرة عليه.
“الخطورة الحقيقية تكمن في أدوات التواصل داخل اللعبة، فغرف الدردشة والمحادثات الصوتية تتيح لأي شخص غريب دخول عالم الطفل بسهولة، دون أن يدرك الآباء حجم الخطر.”
ويضيف أن الحل لا يكمن فقط في الحجب، لأن المنع وحده لا يوقف الفضول ولا يُغلق الأبواب الرقمية:
“الوعي هو السلاح الحقيقي، فالمتابعة الأسرية وتربية الأبناء على استخدام التكنولوجيا بأمان أهم بكثير من أي قرار تقني.”
أضرار نفسية وجسدية تتسلل بهدوء
من ناحية أخرى، يحذر خبراء علم النفس من التأثيرات العميقة لتلك الألعاب على الصحة النفسية للأطفال، مؤكدين أن الإفراط في استخدامها يؤدي إلى اضطرابات في التركيز، وتشتت الانتباه، والعزلة الاجتماعية، فضلًا عن السمنة والخمول الناتج عن الجلوس الطويل أمام الشاشات.
كما يشير بعض الأخصائيين إلى أن التعرض المستمر لمحتوى عنيف أو إيحائي داخل اللعبة قد يُحدث تغيرات سلوكية ملحوظة لدى الأطفال، مثل الميل إلى العدوانية أو التقليد الأعمى للشخصيات الافتراضية.
الختام… لعبة لم تعد لعبة
بين حجبٍ وتحذير، وبين أسرةٍ تراقب بقلق وأخرى ما زالت تجهل ما يجري خلف الشاشة، تظل «روبلوكس» عنوانًا جديدًا للخطر القادم من العالم الافتراضي.
هي لعبةٌ بدأت بالمرح، لكنها انتهت إلى قلقٍ عامٍ يجتاح العالم.
ويبقى السؤال الذي لم يُجب عليه أحد بعد:
هل يكفي الحجب لإنقاذ أطفالنا؟ أم أن الحل الحقيقي يبدأ من البيت؟
«روبلوكس».. اللعبة التي سرقت براءة الأطفال وتحولت إلى فخ عالمي
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.