
لا تُحوِّل الخلاف إلى إختلاف
لا تُحوِّل الخلاف إلى إختلاف في زمنٍ أصبحت فيه “وجهة النظر” تهمة، و”الاختلاف” إعلان خصومة بات الخلاف البسيط كفيلاً بأن يُنهي صداقة عمرها عشر سنوات، أو يُحوِّل جلسة قهوة هادئة إلى ساحة تحقيق بلا محامي.
الخلاف لمن لا يعلم ـ أمر طبيعي بل صحي أحيانًا، لأنه يدل على أن لدينا عقولًا تعمل، لا نسخًا متكررة. المشكلة تبدأ عندما نتعامل مع الخلاف كأنه حرب كونية يجب أن يخرج منها طرف منتصر وآخر مهزوم، لا رأيين مختلفين.
خذ مثالًا بسيطًا:
تجلس مع صديقك وتقول إن الشاي أجمل من القهوة، فيرد عليك بنبرة خبير استراتيجي:
«واضح إننا مش شبه بعض، وكل واحد فينا طريقه غير التاني!»
لا أحد سأل عن الأخلاق أو القيم أو المبادئ… الموضوع كله بدأ بـ “مشروب ساخن”.
وفي البيت، قد يتحول خلاف صغير حول ترتيب الأثاث إلى اختلاف جذري في “أسلوب الحياة”. الزوجة ترى أن الأريكة هنا أفضل، الزوج يرى هناك… وفجأة يُستدعى التاريخ كله:
“أنت دايمًا كده عمرك ما اقتنعت بكلامي!”
وهكذا ينتقل الخلاف من مكان الكرسي إلى مكانة الشخص نفسه.
أما على مواقع التواصل الاجتماعي، فالأمر أكثر خطورة. رأي مختلف في مباراة كرة قدم، فيلم، أو حتى صورة،
قد يجعلك متهمًا بعدم الفهم، أو قلة الوعي، أو أنك “مدفوع الأجر”. وكأننا لم نعد نختلف لنفهم، بل نختلف لنلغي بعضنا البعض.
الحقيقة التي لا نحب الاعتراف بها، أن كثيرًا منا لا يملك ثقافة الحوار، بل ثقافة الانتصار. نريد أن نخرج من أي نقاش ونحن “الصح”، حتى لو خسرنا الود، واحترام الآخر، والعقل نفسه.
الخلاف لا يعني أنك ضدي، والاختلاف لا يعني أنك عدوي. يمكننا أن نختلف ونضحك، نتحاور ونشرب قهوتنا (أو شايَنا) في سلام، دون إعلان قطيعة أو توزيع اتهامات.
فليس كل خلاف يحتاج بيانًا رسميًا، ولا كل رأي مخالف مؤامرة. أحيانًا، كل ما نحتاجه هو أن نهدأ قليلًا، ونفهم أن التنوع في الآراء ليس خطرً بل دليل حياة.
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.