“نار الغضب… وسكون الليل الذي شهد الجريمة”
كتبت / رنيم علاء نور الدين
في قرية صغيرة تُدعى 3 الصالحية بمركز الحسينية في الشرقية، كان الليل ساكنًا كما اعتاد، والبيوت غارقة في ظلامها المعتاد، إلا بيتًا واحدًا أضاءته النار فجأة، لا لتبعث دفئًا، بل لتُعلن عن واحدة من أبشع الجرائم التي شهدتها القرية.
كانت “فاطمة” — الستينية التي أنهكها العمر والخذلان — تجلس لليالٍ طويلة تفكر في حياتها التي انقلبت إلى سلسلة من الإهانات والعنف. لم تكن تنام بعمق، كانت تستيقظ على صوت صراخ، أو نظرة ازدراء، أو كلمة جارحة. حاول أهل الخير التدخل أكثر من مرة، لكن قلب زوجها كان أقسى من الصخر، لا يلين ولا يرحم.
في تلك الليلة، ساد الصمت أرجاء المنزل، وصوت أنفاس زوجها المسن كان الإشارة التي انتظرتها طويلاً. اقتربت بخطواتٍ مترددة نحو السرير، تحمل بين يديها حجرًا كبيرًا كانت قد خبأته خلف الباب. نظرت إليه للحظة، لعل الرحمة تطرق قلبها، لكنها وجدت داخله رمادًا لا حياة فيه.
هوت بالحجر على رأسه ضربة واحدة، أفقدته الوعي وربما الحياة في لحظتها. توقفت لدقائق، تحدق في جسده الساكن، ثم امتدت يدها إلى عود ثقاب… أشعلت النار في جسده، وفي كل ما حوله، محاولة أن تُقنع نفسها أن ما فعلته لم يكن إلا دفاعًا عن روحٍ مسحوقة.
حين وصلت قوات الأمن إلى المكان، كان كل شيء يحترق: الجدران، الأثاث، والرجل الذي لم يبقَ منه سوى بقايا تُثير الأسى.
لكن رجال المباحث، بقيادة اللواء محمد عادل، لم يصدقوا رواية الحريق العرضي. فقد دلّهم حسّهم الأمني أن وراء النيران سرًا أكبر. وبعد ساعات من التحقيقات الدقيقة، تهاوت رواية الزوجة واعترفت بكل شيء، في لحظة انهار فيها كل ما تبقى من تماسكها.
اليوم، تجلس فاطمة خلف القضبان، والهدوء الذي كانت تبحث عنه بات يحيط بها من كل جانب… لكنه هذه المرة هدوء الوحدة والندم، لا السلام.
ويبقى السؤال الذي يطارد كل من سمع قصتها:
هل يمكن أن يدفع القهر إنسانًا لأن يتحول إلى قاتل؟
“نار الغضب… وسكون الليل الذي شهد الجريمة”
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.