مقالات ووجهات نظر

أزمة منتصف العمر   

بقلم /سلمي محمد

أزمة منتصف العمر 

أزمة منتصف العمر حين يصبح السعي للكمال عبئًا خفيًا منذ اللحظة التي نكسر فيها حاجز الثلاثين، يبدأ الكثيرون في الحديث عن “أزمة منتصف العمر”. لكن السؤال الحقيقي: هل هي أزمة واحدة؟ أم عدة أزمات متشابكة؟

في رأيي، هناك خيط واحد يجمعها جميعًا، وهو: هوس المثالية… ذلك الداء الذي أصبح عنوانًا لهذا العصر السريع المتوتر. ولا أخفيكم سرًا… فهو دائي أنا أيضًا…

نعيش اليوم تحت ضغط دائم لإنجاز كل شيء على أكمل وجه. ننتهي من مهمة فنبحث عن التالية، ومع ذلك يتسلّل شعور خفي بالتقصير… رغم الجهد، ورغم السعي. إنها حالة إنهاك نفسي لا يراها أحد، لكنها تترك أثرًا ثقيلًا داخل الروح.

لكن هل العيب فينا؟ ربما لا.

فنحن أبناء عصر لم يمنحنا فرصة لالتقاط الأنفاس. عصر السرعة، والانفتاح، ووجود وسائل التواصل الاجتماعي التي عرّت حياتنا أمام حياة الآخرين، فصار المرء يرى نجاحات الجميع دفعة واحدة، ويقارن نفسه بلا وعي. فتولد فجوة موجعة بين ما نملك وما نتمنى، وبين الرضا والطموح والخلط بينهما .

الكارثة أن البعض يخلط بين الطموح والسعي الشريف… وبين الطمع الذي لا يشبع. والخيط الفاصل بينهما رفيع كالحرير، ينقطع أحيانًا دون أن نشعر.

ما أراه اليوم هو أن “أزمة منتصف العمر” لم تعد مرتبطة بالعمر، بل بضغط التوقعات، وبفكرة أننا يجب أن ننجز كل شيء وفي وقت قصير. أصبحنا نحمّل أنفسنا فوق طاقتها، ونطالبها بالمثالية، وننسى طبيعتنا البشرية.

لماذا أكتب هذا؟

لأقول لك – ولي قبل أي أحد:

لا تتهاون في صحتك النفسية.

فهي ليست رفاهية، وليست اختيارًا.

هي أساس قدرتك على الاستمرار.

الصحة النفسية لديها مناعة مثل الجسد تمامًا. تنشأ من كثرة التعرض للأزمات، وتصبح بمرور الوقت أقوى، أكثر تحمّلًا، وأقل تأثرًا. فكن ممتنًا للتجارب، حتى تلك التي كسرتك… لأنها في الحقيقة شكّلتك.

رسالة للقارئ:

كن طموحًا، واسعَ نحو الأفضل، لكن لا تُسقط نفسك في فخ الكمال المستحيل.

أنت لست شجرة ثابتة في بقعة واحدة… أنت إنسان خُلق للحركة، للتجربة، للتغيّر…

وتذكّر دائمًا أن:

التغيير سنة الله في الأرض، والاختلاف جمال، والرضا نعمة.

فكن أرقى باختلافك، وأقوى بما أنجزته، وأهدأ بما لم يتحقق بعد.

وتعلّم أن تنظر لنفسك بعين الرحمة… قبل أن تبحث عن تصفيق الآخرين.أزمة منتصف العمر 

 


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading