مقالات ووجهات نظر

إزدواجية المعايير في بيوتنا .

بقلمي / نجوى راغب .

إزدواجية المعايير في بيوتنا .

وددت أن أبدأ حديثي بالعودة إلى الماضي ، لنغوص في أعماق الحضارات المصرية القديمة ، عندما كانت تلك الحضارات هي الأولى في العالم كله ، وكانت الثقافة المصرية تسود وتحكم العالم ..

من خلال عملي على الملف السياحي ( بأسيوط ) تحديداً ومن خلال القراءة بشكل أعمق وأكبر عن تاريخ أسيوط وددت لو أنني كنت أعيش بهذا الماضي الحاضر ..

هذا التاريخ الحضاري الذي يقف أمامه العالم أجمع في إنبهار بهذا الجمال الفائق للوصف .

عندما أدخل المقابر الفرعونية بأسيوط وأشاهد عظمة المصري القديم بشكل عام وعظمة وإبداع الأسيوطي القديم بشكل خاص ، أشعر بضألة حجمنا جميعاً أمام هذه العظمة التاريخية ، عندما أرى النقوش الجدارنية والتي ما هي إلا تسجيل للأحداث اليومية لأجدادنا العظماء ، أجد نفسي في ذهول مما أراه وأسمعه من رئيس الهيئة المصرية للسياحة أثناء ترجمته للغة الهيروغليفية وهو يترجم ويشرح تلك الأحداث اليومية الطبيعية لهؤلاء العباقرة والذي كان لنا الشرف بأنتمائنا لهم .

الثقافة عندهم تتفوق عن الثقافة في عصر التكنولوجيا والإنترنت والمهارات الرياضية لهم تمت سرقة فكرتها عن طريق الغرب وأصبحت ألعاب رياضية عالمية لديهم ..

لا أريد أن أطيل الحديث في وصف عظمة أجدادنا فهذا لا يكفيه مقالات وليس مقال واحد .

ما وددت أن أذكره مما رأيته على جدران المقابر الفرعونية هي . الــمــرأة الــمصــرية فيما قبل الميلاد .

الــمــرأة الـــمصــرية في الماضي قبل الإسلام والمسيحية .

التكريم الإنساني والأخلاقي للمرأة وكيف كانت ملكة حينما كانت نساء العالم جواري في سوق الرقيق .

لم تكن هناك التكنولوجيا ولم يكن لديهم إنترنت أو ذكاء إصطناعي أو أي وسيلة تقدم حضاري مما ندعيه الآن . 

فالتقدم الحضاري الذي نتسارع ونتصارع من أجله حالياً هو تأخر أخلاقي ليس إلا ، للأسف الشديد ، التقدم التكنولوجي لا يليق بنا عندما نمارس هواية التقليد الأعمى ، عندما نسلك أسرع الطرق للثراء حتى وأن أضطررنا لوضع القيم والمبادئ والأخلاق تحت أقدامنا لنصعد من خلالها لأعلى .

عندما نعتقد أن مشاركة العالم لحياتنا وخصوصياتنا هو التحضر ذاته ، وأن التمسك بأخلاقنا هو قمة الرجعية .

أرى فئة كبيرة من المجتمع المصري تمارس سلوكيات غريبة وبعيدة كل البعد عن مجتمعنا الشرقي تحت مسمى العمل المشروع والظروف الأقتصادية الصعبة في حين أنني أتذكر بالماضي فترة ما قبل العولمة والتقدم الحضاري وكانت الظروف الإقتصادية أصعب ولم يكن هناك أية مقومات تعين المواطن على صعوبات الحياة ومع ذلك كانت المرأة ملكة في بيتها حتى وأن كان كوخ صغير ، كان هناك دفء عائلي يحتوي الكبير والصغير والقليل يكفي للكثير والأحترام والحياء عنوان للحياة .

الآن ، نهبط بأقصى سرعة للهاوية ، لم نستطع أن نكون بعظمة الماضي ولا بحضارة الحاضر .

أقتحم حياتنا عدو خفي لم يحاربنا بسلاح ناري على الحدود ، بل أنه يحاربنا في أسس وثوابت نشأنا عليها سواء بالفطرة أو بالدين أو بالبيئة المحيطة بنا .

عدو يعلم جيداً وجهته الحقيقة لدينا ويعلم جيداً أن إنهيار الأمم في إنهيار شعوبها وليس حدودها .

عدو خفي تسلل إلى حياتنا وهو يضع لنا السُم في العسل ، ويزين لنا كل ما هو قبيح لنتجرع ذلك السُم ونحن نستمتع بذلك الطعم المزيف .

فأتجهت النساء لمنصة التيك توك ، وأني لأتعجب من كلمة ( منصة ) حيث أن هذه الكلمة توحي بمعاني كثيرة قيمة ، أما هنا فهي تمثل قاع الحضيض ومستنقع للوحل .

خرجت علينا وجوه بملامح غريبة ليس لها أي صلة بالملامح المصرية الأصيلة ، ملامح سيطر عليها الطمع وإنعدام الأخلاق فأصبحت الوجوه باهته من الحياء وشاحبة من الخجل وأنطفأ فيها بريق العيون ليتحول إلى شهوات لجمع المال والثراء الفاحش .

الحياة الأسرية أصبحت مشاع للأخرين والتصوير من داخل غرف النوم أصبح أولى درجات سلم المجد والثراء المادي ، وأصبح الرجل فخور بزوجته بل ويقوم بتصويرها وهو فرحاً بها وبما تقدمه من إنحطاط أخلاقي .

أما المرأة فلم تكن هي الزوجة أو الأم أو الأخت أو الأبنة المصرية التي يتحدث عنها العالم كله بفخر وإعجاب بل أننا نراها بأطفالها وأولادها وبناتها شباب وشابات وهي تستخدمهم كوسيلة لجلب المال ، فأستباحت كل القيم المجتمعية ، ولما لا والموضوع لا يتطلب سوى جوال حديث وباقة أنترنت و ( جمهور ) يصفق ويطبل ويدعم ويشجع ، ومن هنا يبدأ الثراء ..

نعم من هنا ، من الجمهور ، فالجمهور هو أساس القُبح الذي شوه حياتنا ، الجمهور هو من يساعد هؤلاء على الأنتشار الفاسد ، الجمهور هو من يساعد العدو الخفي في التوغل داخلنا أكثر وأكثر ..

اللايك والشير والمتابعة لكل ما هو تافه هو أساس ظهور هؤلاء علينا ..

سنوات من الفساد السمعي والبصري والأخلاقي كان الداعم لها في المقام الأول هو الجمهور الذي أصبح ينقسم إلى ثلاث أجزاء ، جزء يقلد ويتخذهم قدوة وجزء آخر يحقد لأنه لا يستطيع أن يقلد 

أما الجزء الثالث فهو ما يطلقون عليه الأجزاء السابقة بالرجعي أو المتخلف لرفضه ما يحدث من إسفاف أخلاقي وإنحدار مجتمعي ..

ووسط هذا الإنحدار تنكشف لنا كارثة كُبرى لا أود التطرق في الحديث عنها حتى تتضح الرؤيا تماماً من قَبَل الجهات المعنية ..

لكن ما أدهشني حقاً هي تلك الأزدواجية في المعايير الأخلاقية ، فأرى نفس الجمهور الداعم هو نفس الجمهور السعيد بالقبض على البعض من تلك الآفة التي أصابت المجتمع المصري في ثوابته وأسسه .

أحاول جاهدة أن أستوعب تلك المعادلة فلا أستطيع ، فإذا كان الجمهور الداعم هو نفس الجمهور الفرِح والسعيد بإلقاء القبض عليهم ، لما كانت المتابعة والدعم حتى نصل لهذا المستوى الوضيع أخلاقياً وثقافياً ؟؟

كيف تكونوا سعداء بما حدث وأنتم السبب الرئيسي في إنتشارهم ؟؟

لما لا نرفض بشكل قاطع تلك النماذج المسيئة لنا ولمجتمعنا ولديننا ولثقافتنا وحضارتنا ؟

لماذا نترك أولادنا وبناتنا فريسة سهلة لشاشة تبث من خلالها كل ما يهدم البنيان الأنساني والأخلاقي والديني لهم ؟؟

نحن الآن أمام كارثة أكبر وأكبر ، فالحل ليس بإلقاء القبض على هؤلاء الفسدة ، لكن الكارثة الحقيقية هو ما خلفه هذا التقليد الأعمى في أذهان وعقول أولادنا وبناتنا وأصبح من الصعب أن نمحيه من ذاكرتهم ..

أتمنى أن نكون أستوعبنا الدرس جيداً وأن نستمع لناقوس الخطر الذي يدق دوماً في بيوتنا ونحن 

نتعمد تجاهل صوته ، فالوقت قد حان لمواجهة ذلك العدو الخفي ولمحاربة من يحاول هدم ثوابتنا وأسسنا .

والله الموفق .

إزدواجية المعايير في بيوتنا .

إزدواجية المعايير في بيوتنا .


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading