مقالات ووجهات نظر

اتقوا الله في الوالدين

اتقوا الله في الوالدين

اتقوا الله في الوالدين

بقلم / محمـــد الدكـــروري

اتقوا الله في الوالدين

إن فضل تربية الأبناء فضل عظيم يعود علي الوالدين في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا، فأكرم به وأنعم من بر وطاعة وإحسان، يرفع وجهك، ويكون ساعدك، وكل صلاح وخير تقوم بتربيته عليه، فهو في ميزان حسناتك يوم القيامة لأن الولد من سعي أبيه والله عز وجل يقول ” أن ليس للإنسان إلا ما سعي” فما يسجد سجدة، ولا يقرأ حرفا، ولا يسبح تسبيحة، ولا يعمل معروفا إلا وكان لك من ذلك حظا ونصيبا، ومن أعظم ثمرات تربية الأبناء وصلاح الولد أن يدعو لوالديه بعد موتهما، وإن من إهمال التربية للأبناء في الدنيا أنه ينشأ أولاد لا يعرفون للوالدين حقوقا، ولا للحياء سبيلا، ولا للأخلاق الفاضلة طريقا، ليس لهم هم إلا شهوات يتبعونها، ورغبات يحققونها، وإن خالفت الشرع وعارضت الفضيلة.

لأنهم لم يتربوا ولم يتعلموا الانضباط من خلال الحلال والحرام، وأما في الآخرة فإن الوالد موقوف ومسؤول، ومُحاسب ومحروم، فاتقوا الله في الوالدين، وخصوصا إذا بلغا من الكبر والسن ما بلغا، ووهن العظم منهما واشتعل الرأس شيبا، إذا بلغت بهما الحال ما بلغت وأصبحا ينظران إليك نظر الذي ينتظر لقمة هنية أو أعطية جزية، فقيل أنه حدّث أحد رجال الإطفاء فقال إنهم وصلوا إلى بيت قد اشتعلت فيه النيران وفي البيت أم وأطفال لها ثلاثة، بدأ الحريق في إحدى الغرف، فحاولت الأم الخروج من الأبواب فإذا هي مقفلة، صعدت سريعا مع أطفالها الثلاثة إلى سطح المنزل لتخرج من بابه فألقته مغلقا كذلك، حاولت فما استطاعت، كررت فأعياها التكرار، تعالى الدخان في المنزل، وبدأ النفس يصعب، احتضنت صغارها.

وضمتهم إلى صدرها، وهم على الأرض حتى لا يصل الدخان الخانق إليهم، والأم الرؤوف تستنشقه هي، لما وصلت فرق الإنقاذ إلى سطح المنزل وجدوها ملقاة على بطنها، رفعوها فإذا بأبنائها الثلاثة تحتها أموات، كأنها طير يحنو على أفراخه يجنبهم الخطر، تدافع عنهم من عدو كاسر، وجدوا أطراف أصابع يدها مهشّمة وأظافرها مقطوعة إذ كانت تحاول فتح الباب مرة، ثم ترجع إلى أولادها لتحميهم من لهيب النار وخنق الدخان مرة أخرى، حتى قضت وقضوا، في صورة تجسد روعة التضحية، في لوحة مصونة بألوان الحنان منقوشة بريشة العطف والرحمة، ومع كل هذه التضحية والتفاني في الحفظ والرعاية التي تقدمها الأم لوليدها وفلذة كبدها، حتى قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

في بيان عظم حقها مع الوالد” لا جزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فتشتريه فيعتقه” رواه مسلم، فإن الأم كوكب مضيء بذاته، ويسمو في صورته وسماته، وأجمل بلسما في صفاته ولها منظرا أحلى من نبراته، ونفس زكيه طاهرة بصلاته، وجسما غريبا يبهر في حجابه، وعيونا تذرف الحب بزكاته، جدها عبرة ومزحها نزهة، نخلة عذبة، وشجرة طيبة، ومخزن الودائع ومنبع الصنائع، فالأم نعم الجليس، وخير الأنيس، ونعم القرين في دار الغربة، ونعم الحنين في ساعة القربة، فقال تعالى ” وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا”

اتقوا الله في الوالدين


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة