الإشاعة.. خناجر مسمومة في ظهر الوطن

الإشاعة.. خناجر مسمومة في ظهر الوطن
لا تسمع لها دويًا، ولا ترى لها وميضًا، لكنها تخترق الحصون وتصيب القلوب في مقتل. إنها حرب العصر الصامتة، حرب اللا-رصاص
التي لا تستهدف الحدود، بل تستهدف العقول والنفوس. سلاحها الأوحد هو **”الإشاعة”**، وهدفها الأسمى هو تفكيك أثمن ما تملكه الأمة: جبهتها الداخلية
في عالم تلاشت فيه الحدود الرقمية، أصبحت شاشات هواتفنا هي ساحة المعركة الجديدة. وبضغطة زر غير مسؤولة،
قد تتحول من مواطن بريء إلى جندي في جيش العدو، تنقل “قذيفة” معلوماتية مضللة لا تدري مصدرها، فتساهم في هدم جدار الثقة الذي يجمع أبناء الوطن الواحد.
صناعة اليأس.. كيف يعمل السلاح الخفي؟
الإشاعة ليست مجرد كذبة عابرة، بل هي صناعة خبيثة وممنهجة. تبدأ بفكرة سامة تُحقن في عقل المجتمع، ثم تتغذى على مخاوفه وتنمو في فراغ المعلومات. هدفها ليس إيصال معلومة، بل تحقيق نتيجة.
النتيجة الأولى: قتل الثقة. تُصمم الإشاعة لترس صورة قاتمة، لتجعلك تشك في كل شيء: في مؤسسات دولتك، في إنجازات وطنك، بل وحتى في جارك. حين تموت الثقة، يموت معها الشعور بالأمان والانتماء.
النتيجة الثانية: نشر الإحباط. تعمل الإشاعة كفيروس يصيب الروح المعنوية بالشلل. تُضخم السلبيات، وتقلل من قيمة الإيجابيات،
وتهمس في أذنك كل صباح أن “لا فائدة” وأن “القادم أسوأ”. شعب محبط هو شعب يسهل هزيمته.
النتيجة الثالثة: تمزيق النسيج. هي الأخطر على الإطلاق. إشاعات طائفية، طبقية، أو جغرافية، تُصمم ببراعة لتوقظ النعرات وتؤجج الخلافات، محاولةً تحويل أبناء البيت الواحد إلى أعداء.
خط الدفاع الأول: أنت!
في هذه الحرب، أنت لست مجرد متفرج، بل أنت خط الدفاع الأول. المواجهة تبدأ من عقلك ومن إصبعك الذي يتردد قبل أن يضغط على زر “مشاركة”. المواجهة تتطلب ثلاث خطوات بسيطة لكنها حاسمة:
1. توقّف: عندما يصلك خبر مثير للقلق أو الغضب، لا تتفاعل فوراً. خذ نفساً عميقاً. العاطفة هي وقود الإشاعة.
2. تحقّق: اسأل نفسك: من المصدر؟ هل هو جهة رسمية معروفة؟ أم صفحة مجهولة باسم براق؟ الأخبار الموثوقة لها أب شرعي، أما الإشاعات فهي لقيطة دائماً.
3. *اسأل: ما الهدف من نشر هذا الخبر في هذا التوقيت بالذات؟ من المستفيد من حالة البلبلة التي سيخلقها؟
إن وعيك هو درعك، وعقلك هو سلاحك. وفي المقابل، على مؤسسات الدولة أن تدرك أن الشفافية وسرعة الرد هما أقوى مضاد حيوي لسموم الإشاعات، فالفراغ المعلوماتي هو البيئة التي يترعرع فيها الكذب.
حب مصر.. ليس شعاراً بل حصناً منيعاً
وهنا نصل إلى جوهر الحكاية كلها. قد يسأل سائل: وما علاقة كل هذا بـ”حب مصر”؟ والإجابة: إنه كل شيء.
حب مصر الحقيقي ليس مجرد أغنية نرددها، بل هو فلتر فطري في العقل والقلب.
عندما تحب وطنك بوعي، فإنك لا تصدق بسهولة من يحاول تشويه صورته. حبك يجعلك غيوراً على استقراره، حريصاً على وحدته.
هذا الحب يتحول إلى مسؤولية تدفعك للبحث عن الحقيقة، وإلى إيجابية تجعلك تنشر الأمل بدلاً من اليأس.
البناء هو أقوى رد على معاول الهدم. وكل إنجاز يتحقق على أرض مصر، وكل مصنع يُفتتح، وكل طريق يتم تطويره، وكل شاب يعمل بإخلاص، هو رصاصة حقيقية في صدر كل إشاعة مغرضة.
المعركة مستمرة، وأعداء هذا الوطن لن يتوقفوا عن محاولاتهم. لكن رهانهم سيظل خاسراً طالما بقي في مصر شعب يملك الوعي
ليميز الخبيث من الطيب، ويملك قلباً ينبض بحب حقيقي لوطنه، حب يترجم إلى وحدة، وعمل، وأمل.
فلنكن جميعاً حراساً على جبهتنا الداخلية، ولنجعل من وعينا سلاحاً ومن وحدتنا حصناً.
تحيا مصر واعية، متحدة، قوية.
الإشاعة.. خناجر مسمومة في ظهر الوطن
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

