مقالات ووجهات نظر

التصوف ومن أين بدأ

التصوف ومن أين بدأ
بقلم الإعلامية: د. ثناء خلف الله العمدة

يجول بخاطري في تلك الفترة خواطر كثيرة تدور حول موضوع التصوف ومن أين جاء وهل مرجعه إسلامي أم لا….
فوجدت اختلافا في الآراء؛ البعض يرجع التصوف إلى أنه
ليس ظاهرة إسلامية خاصة بل إن جذوره وعروقه تمتد في أي فكرٍ دينيٍ عمومًا، حتى إن كثيرًا من الدارسين ربطه بأصولٍ غير إسلاميةٍ كالمسيحية والهندية والفارسية والفلسفة اليونانية. بينما يرفض رأيٌ آخرٌ هذه الصلات جملةً وتفصيلًا ويرده إلى أصوله الإسلامية ومنابعه الأولى: القرآن والسنة.

عرف التصوف اصطلاحا بتعريفات كثيرة منها
قول الشيخ أحمد زروق بأن: التصوف علمٌ قصد لإصلاح القلوب وإفرادها لله تعالى عما سواه. والفقه لإصلاح العمل وحفظ النظام وظهور الحكمة بالأحكام. والأصول «علم التوحيد» لتحقيق المقدمات بالبراهين وتحلية الإيمان بالإيقان.

أصل التصوف

يدّعي المتصوفة أن أصل التصوّف يرجع – كسلوكٍ وتعبدٍ وزهدٍ في الدنيا وإقبالٍ على العبادات واجتناب المنهيات ومجاهدةٍ للنفس وكثرةٍ لذكر الله – إلى عهد رسول الله محمد وعهد الصحابة، فيقول محمد سعيد الجمل: “وإن أول صوفيٍ هو رسول الله محمد بن عبد الله ﷺ، لأنه بحد ذاته أول من دخل الخلوة في غار حراء”. وإن التصوف يستمد أصوله وفروعه من تعاليم الدين الإسلامي المستمدة من القرآن والسنة النبوية.
وكوجهة نظرٍ أخرى، يرى بعض الناس أن أصل التصوف هو الرهبنة البوذية، والكهانة النصرانية، والشعوذة الهندية، وأصول الديانة الفارسية التي ظهرت بخراسان.
بينما يرفض الصوفية تلك النسبة ويقولون بأن التصوّف ما هو إلا التطبيق العملي للإسلام، وأنه ليس هناك إلا التصوف الإسلامي فحسب.

وأول من بنى ديرة التصوف بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد من أصحاب الحسن البصري رحمه الله. وقد تميز عباد البصرة آنذاك بالمبالغة في التعبد، وظهرت فيهم مظاهر جديدة لم تكن مألوفة من قبل، فكان منهم من يسقط مغشيًا عليه عند سماع القرآن، ومنهم من يخرّ ميتًا، فافترق الناس إزاء هذه الظاهرة بين منكرٍ ومادحٍ، وكان من المنكرين عليهم جمعٌ من الصحابة كأسماء بنت أبي بكر وعبدالله بن الزبير رضي الله عنهم، إذ لم تكن تلك المظاهر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، وهم الأعظم خوفًا والأشد وجلًا من الله سبحانه. ورأى الإمام ابن تيمية أن حال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من ضبط نفوسهم عند سماع القرآن أكمل من حال من جاء بعدهم، ولكنه – رحمه الله – لا يذهب إلى الإنكار على من ظهر منه شيءٌ من ذلك إذا كان لا يستطيع دفعه، فقال: «والذي عليه جمهور العلماء إن الواحد من هؤلاء إذا كان مغلوبًا عليه لم ينكر عليه وإن كان حال الثابت أكمل منه.

ظهور التصوف كعلم

بعد عهد الصحابة، والتابعين، دخل في دين الإسلام أُممٌ شتّى، وأجناسٌ عديدةٌ، واتسعت دائرة العلوم، وتقسّمت وتوزّعت بين أرباب الاختصاص؛ فقام كل فريقٍ بتدوين الفن والعلم الذي يُجيده أكثر من غيره، فنشأ ـ بعد تدوين النحو في الصدر الأول ـ علم الفقه، وعلم التوحيد، وعلوم الحديث، وأصول الدين، والتفسير، والمنطق، ومصطلح الحديث، وعلم الأصول، والفرائض «الميراث» وغيرها. وبعد هذه الفترة أخذ التأثير الروحي يتضاءل شيئًا فشيئًا، وأخذ الناس يتناسون ضرورة الإقبال على الله بالعبودية، وبالقلب والهمة، مما دعا أرباب الرياضة والزهد إلى أن يعملوا هُم من ناحيتهم أيضًا على تدوين علم التصوّف، وإثبات شرفه وجلاله وفضله على سائر العلوم، من باب سدّ النقص، واستكمال حاجات الدين في جميع نواحي النشاط.

وكان من أوائل من كتب في التصوف من العلماء:

الحارث المحاسبي، المتوفى سنة 243 هـ، ومن كتبه: بدء من أناب إلى الله، وآداب النفوس، ورسالة التوهم.
أبو سعيد الخراز، المتوفى سنة 277 هـ، ومن كتبه: الطريق إلى الله.
أبو نصر عبد الله بن علي السراج الطوسي، المتوفى سنة 378 هـ، وله كتاب: اللمع في التصوف.
أبو بكر الكلاباذي، المتوفى سنة 380 هـ، وله كتاب: التعرف على مذهب أهل التصوف.
أبو طالب المكي، المتوفى سنة 386 هـ، وله كتاب: قوت القلوب في معاملة المحبوب.
أبو قاسم القشيري، المتوفى سنة 465 هـ، وله الرسالة القشيرية، وهي من أهم الكتب في التصوف.
أبو حامد الغزالي، المتوفى سنة 505 هـ، ومن كتبه: إحياء علوم الدين، الأربعين في أصول الدين، منهاج العابدين إلى جنة رب العالمين، بداية الهداية، وغيرها الكثير. ويعد كتاب إحياء علوم الدين من أشهر -إن لم يكن الأشهر- كتب التصوف ومن أجمعها.

التصوف في مصر :

اشتهرت بمصر عدّة طرق صوفيّة كانت في معظمها وافدة وليست من تأسيس المصريين، كانت تمثل مع بداية ثورة 23 يوليو 1952م نحو 3 ملايين منتسب ينتظمون في 60 طريقة، أيدت جمال عبد الناصر بوضوح في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية والخارجية من البداية فعلى سبيل المثال: وقفت مشيخة الطرق الصوفية مع عبد الناصر في صراعه ضد الإخوان المسلمين. في ديسمبر 1967م سار أكبر موكب صوفي رسمي في مصر تأييدا لعبد الناصر في أعقاب هزيمة 5 يونيو 1967. وما زالت الطرق الصوفية تسير على هذا النهج حتى الآن من تأييد الحاكم وعدم اتخاذ أي مواقف معارضة له، وعدم تأييد أي قوى معارضة. وهذا كله أضعف من إقبال الناشطين الإسلاميين عليها، فلا يقبل عليها إلا راغبي الراحة النفسية والبعد عن مشكلات الواقع بكل تعقيداته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ومن أهم الطرق الصوفية في مصر على مر التاريخ:

الطريقة القادرية انتشرت طريقته في مصر، وأصبحت هذه الطريقة أصل الكثير من الطرق الصوفيّة بمصر والمغرب.
الطريقة الرفاعية أسّست بالعراق، ثمّ انتقلت هذه الطريقة إلى مصر عبر أبي الفتح الواسطي أواخر القرن 6ھ/12 م، وأنشأ رباطا له ولمريديه بالإسكندرية عرف برباط الواسطي، واستمر نشاط هذه الطريقة بمصر خلال عصر المماليك وانتسب إليها الكثير من أفراد المجتمع المصري.
الطريقة السهروردية انتشرت هذه الطريقة بمصر بشكل كبير، وأصبح أتباعها يؤسّسون المدارس والربط الخاصّة بهم لنشر تعاليم طريقتهم.
الطريقة الأحمدية: أسّسها الشيخ أحمد البدوي، الّذي ارتحل من المغرب إلى مكّة ومنها إلى مصر. لما توفي خلفه في رئاسة الطريقة تلميذه عبد العال الأنصاري.
الطريقة البرهامية: أسّسها الشيخ إبراهيم الدسوقي (ت:676ھ/1278م)، وهو مصري الأصل والمولد، وانتشرت طريقته في مصر وبقية بلدان المشرق.
غير أنّ أشهر طريقة عمّت مصر ومنها انتقلت إلى المغرب الأوسط وإن كان أصل مؤسّسها مغربي هي:

الطريقة الشاذلية: وهي منسوبة لمؤسّسها الشيخ أبي الحسن الشاذلي، وهو صوفي بارز الاتجاه، وأصله من شاذلة ببلاد المغرب، ووفد إلى مصر مع جملة من تلاميذه، واستوطنوا مدينة الإسكندرية حوالي سنة 642ھ/1243م وكونوا بها مدرسة صوفيّة. وكان من أشهر تلامذة أبي الحسن الشاذلي الشيخ أحمد أبي العبّاس المرسي الّذي خلفه وتولى قيادة الطريقة الشاذليّة حتّى وفاته بالإسكندريّة سنة 686 ھ/1284م، ثمّ خلفه تاج الدين بن عطاء الله السكندري المصري الّذي ألّف في مناقب شيوخه كتاب لطائف المنن.
شيخ مشايخ الطرق الصوفية بمصر حاليًا هو عبد الهادي القصبي، وتأسست بمصر أول فضائية عربية صوفية هي القناة الصوفية، لنشر ثقافة «الاعتدال» الصوفي بالمنطقة.
وإلى هنا أعزائي القراء أكون قد أظهرت جزءا بسيطا من ذلك التاريخ البعيد للصوفية وحتى لقاء قريب أترككم في رعاية الله وحفظه، دمتم بخير.


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة