الخرائط لا تتطابق دائما
الخرائط لا تتطابق دائما
يدار العالم بمبادئ معلنة وأخرى خفية وسط أطروحات وسياسات دولية يقودها عالمياً من يملك القوة الصلبة والقوى الناعمة معاً .
تغلف تلك السياسات بألوان شتى من الصبغات السياسية التى غالباً ما لا تفصح عن مضمونها أكثر مما تركز على الهدف منها .
فمثلا اذا تحدثنا عن حقوق الانسان فى العالم . أنه معنى رائع للحفاظ على البشر ولكن ياللعجب تقوم الحروب لأجل ذلك المعنى،
بل ويقضى على البشر بسببه وتجوع شعوب وتفقر اخرى وتحاصر .
كيف لمعنى بهذا النبل أن يكون سبباً فى التعاسة والحرب .
إن المستقرأ للمشهد سيدرك أن القصد هو بالفعل اذلال شعوب بعينها وافقادها القدرة على النمو بل ووقف الاستثمار فى البشر وحقوقه .
غير أن الغلاف لا يحمل نفس مضمون الكلمات فى عالم القوى العالمية . إن العالم يرسم على هيئه خرائط لنفس الاماكن من عدة جهات .
فمنها الخرائط السياسية والاقتصادية والجغرافية والجيوسياسية .وغيرها . ترسم من جهة صاحب الحق بالوان واقعية .
وترسم نفس الخرائط من جهة المستفيد والقوى ومن ليس له الحق بصور مختلفة تماماً . ولاتتطابق كلياً وأحيانا ً جزئيا .
مشهد أفغانستان ليس عنا ببعيد . هى دولة مستقلة لها مالها وعليها ما عليها ولكن خرائطها خلال الخمسين سنه الماضية رسمت لها بأيدى لا تعرف افغانستان ولا يهمها افغانستان .
خطط لها الانجليز والروس وامريكا . والكل اوجد الزرائع لذلك .غير أن افغانستان نفسها لاتعرف ما الذى يحدث . ولم تستفيد مما حدث . فقط خططوا ونفذوا وانهارت نظرياتهم . وصاحبة الارض تعانى فقط .
والمشاهد كثيرة حولنا . فى العراق الذى أعترفوا اخيراً أن اسباب الغزو كانت معلومات خاطئة وانه لا يملك أسلحة كيميائية مدمرة .
وسوريا والسودان واليمن . كل تلك الدول تعانى اليوم فقط لانها وضعت ضمن خرائط مختلفة تماماً عن خرائطها الاصلية .
وهنا يظهر لنا مدى وعى الدول بمحيطها الخارجى الذى يمكنها من النجاة أو على الاقل تقليل المخاطر .
حين إختارت مصر عدم الإنحياز فى فترة الخمسينيات . لم يكن القرار الاصوب . لانه ببساطة لم يقرأ المشهد العالمى الجديد ساعتها . المشهد كان يقسم خرائط العالم
بين الشرق والغرب ولم تكن هناك مساحات للتوازن ولا للحياد . فهاجم المعسكرين مصر بشدة . رأى الفريقين .
أن هذا من الحقوق الاصيلة للمنتصر فى الحرب العالمية الثانية . بينما فكرت مصر ساعتها بسمو عن ما يحاك فى الظلام العالمى . كلفنا ذلك الكثير .
القارئ لوضع الخرائط العالمية يجب أن يدرك أن خرائط القوى الخارجية ليست مسلمات .
وانما هى روئ تنفيذية وبدائل قابلة للتغير بمحددات معروفة دولياً . وأشهر تلك المبادئ . فلنفز نحن الأثنين.أو لنقلل الخسائر(win win) أما ان تخطط منفرداً عن القوى العالمية فذلك تغييب عن الواقع .
إن القارئ للمشهد المصرى الاستراتيجى فى ثورات الربيع العربي سيدرك تماماً البعد العبقرى لإدارة تلك الفترة بنموذج صريح لإدارة موقف تعارض الخرائط المحلية والعلمية .
خطط العالم لمصر ساعتها أن تذهب فى فوضى عارمة لتخرج منها على وضع ضعيف للغاية تسكن فيه وترضى بالاستسلام التام لكافة القوى العالمية فى كل شيئ
الاقتصاد الارض ,الارادة السياسية .
وبالفعل بدأت بوادر نجاح وظهور الخرائط الجديدة للنور بل وأعتلى من ينفذها فى مصر سدة الحكم .
بدأ المشهد متعسراً للغاية لا أمل . ولكن ظهرت براعة السياسي المصرى المستقرأ جيداً للمشهد . حين أفسد ذلك المشهد .
بإستدعاء قوى مؤثرة لم تكن فى الحسبان . غيرت المشهد تماماً . هى قوى الشعب الموحد ضد الإسلام السياسي .
بل وإظهار ضعف ذلك النظام . وظهور القوى الصلبة الى جانب الشعب الموحد . هنا فقط أدرك المخطط الخارجى أن النتائج لن تكون أبدا ً فى صالح الخريطة الجديدة .
لان بلداً موحدة يرعاها جيشاً وطنياً عصية على الاختراق . وهنا كانت الخطوة الأكثر ذكاء من السياسى المصرى . انه قدم نفسه كبديل قوى قادر على التفاوض وتحقيق المكاسب المشتركة له وللعالم .
هنا تحركت القوى الصامتة فى العالم لدعم السياسي المصري . ومن هنا كانت أطواق النجاة .ونجت مصر من المخطط جزئياً .
غير أن الخرائط المعدلة مازالت تحاول النيل إن لم يكن كامل المخطط فبعضه .
إن الصراع قائم لن يهدأ ولن ينتهى .
المهم فهم قواعد المرونه السياسية والتحالفات والمناورات المستمرة . هنا فقط سيحترم العالم من يفهم قواعد اللعبة الساسية.
إن الخرائط لم ولن تتطابق . والمهمة صعبه للغاية فى محاولة وضع خرائط مشتركة يكون فيها الجميع مستفيد . حفظ الله مصر من كل سوء
الخرائط لا تتطابق دائما
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.