مقالات ووجهات نظر

الدكروري يكتب عن التوراة والتابوت

 

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الدكروري يكتب عن التوراة والتابوت

لقد سار بنو إسرائيل بعد وفاة نبي الله موسى عليه السلام على طريق الاستقامة مدة من الزمان، ثم أحدثوا الأحداث وعبد بعضهم الأصنام، ولم يزل بين أظهرهم من الأنبياء من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فسلط الله عليهم أعداءهم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا خلقا كثيرا وأخذوا منهم بلادا كثيرة، ولم يكن أحد يقاتلهم إلا غلبوه وذلك أنهم كان عندهم التوراة والتابوت الذي كان في قديم الزمان، فلم يزل بهم تماديهم على الضلال حتى استلبه منهم بعض الملوك في بعض الحروب وأخذ التوراة من أيديهم، فدعا بنو إسرائيل نبيهم فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكا يقاتلون معه أعداءهم، فقال لهم هل عسيتم إن أقام الله لكم ملكا ألا تفوا بما التزمتم به من القتال معه، قالوا وكيف لا نقاتل في سبيل الله .

 

وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا وأخذت منا البلاد وسبيت الأولاد؟ فعين لهم طالوت وكان رجلا من أجنادهم ولم يكن من بيت الملك فيهم، فلهذا قالوا كيف يكون ملكا علينا ونحن أحق بالملك منه، ثم هو مع هذا فقير لا مال له، فأجابهم قائلا إن الله اختاره لكم من بينكم والله أعلم به منكم، وهو مع هذا أعلم منكم، وأنبل وأشكل منكم وأشد قوة وصبرا في الحرب ومعرفة بها، وقال لهم إن علامة بركة مُلك طالوت عليكم أن يرد الله عليكم التابوت الذي كان أخذ منكم، وقال ابن عباس رضى الله عنهما “جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض، حتى وضعته بين يدي طالوت، والناس ينظرون” في هذه القصة من الآيات والعبر ما يتذكر به أولو الألباب، فمنها أن اجتماع أهل الكلمة والحل والعقد.

 

وبحثهم في الطريق الذي تستقيم به أمورهم وفهمه، ثم العمل به، أكبر سبب لارتقائهم وحصول مقصودهم، كما وقع لهؤلاء الملأ حين راجعوا نبيهم في تعيين ملك تجتمع به كلمتهم ويلم متفرقهم، وتحصل له الطاعة منهم، ومنها أن الحق كلما عورض وأُوردت عليه الشبه ازداد وضوحا وتميزَ وحصل به اليقين التام كما جرى لهؤلاء لما اعترضوا على استحقاق طالوت للملك أجيبوا بأجوبة حصل بها الإقناع وزوال الشبه والريب، ومنها أن العلم والرأي مع القوة المنفذة بهما كمال الولايات، وبفقدهما أو فقد أحدهما نقصانها وضررها ومنها أن الاتكال على النفس سبب الفشل والخذلان، وكان نتيجة ذلك أنه لما كتب عليهم القتال تولوا، أما الاستعانة بالله والصبر والالتجاء إليه فهي سبب النصر.

 

كما كان حال القلة المؤمنة الثابتة، قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، فهزموهم بإذن الله، ومنها أن من حكمة الله تعالى تمييز الخبيث من الطيب، والصادقِ من الكاذب، والصابر من الجبان، وأنه لم يكن ليذر العباد على ما هم عليه من اختلاط الكاذبين بين الصادقين وعدم التمييز، ومنها أن من رحمة الله وسننه الجارية أن يدفع ضرر الكفار والمنافقين بالمؤمنين المقاتلين، وأنه لولا ذلك لفسدت الأرض باستيلاء الكافرين عليها وإفسادهم فيها.

 

الدكروري يكتب عن التوراة والتابوت


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة