
الصوت العالي حين يصبح ضعف الحجة لغة
الصوت العالي حين يصبح ضعف الحجة لغة في ساحات الحوار والنقاش سرعان ما تنكشف قوة المواقف من خلال منطقها لا من حدة أصواتها
فعندما يعجز أحد أطراف الحوار عن تقديم رد مقنع أو حجة راسخة تتباين ردود الأفعال
فبينما يختار البعض إنهاء النقاش بأدب واحترام يلجأ آخرون إلى رفع الصوت والانفعال في محاولة لفرض
رأيهم وخلق حالة من التوتر تربك الطرف الآخر ليخيل إليهم أنهم انتصروا في الحوار
ويشير عدد من علماء النفس إلى أن الصوت المرتفع أثناء النقاش غالبا ما يعكس اضطرابا داخليا وعصبية زائدة
حيث يزداد التوتر كلما ضعف الموقف وغياب القدرة على الإقناع فيتحول الصراخ إلى وسيلة دفاعية لإسكات الآخر بدلا من محاورته
وتتفاوت ردود أفعال الأشخاص تجاه هذه السلوكيات فهناك من يفضل الانسحاب بهدوء حفاظا على احترام الحوار
في حين يقابل آخرون الانفعال بانفعال مماثل لتتحول المناقشة إلى مشادة قد تنتهي بخلافات حادة أو قطيعة اجتماعية
ومن هذا المنطلق فإن رفع الصوت للسيطرة على الحديث لا يدل على قوة الرأي بقدر ما يكشف عن فراغ الحجة وضعف المنطق
حيث يستبدل الحوار العقلاني بمحاولة فرض الأمر الواقع
ويؤكد متخصصون أن الشخص العصبي الذي يرفض النقاش الهادئ ويعتقد دائما بصواب رأيه
يحتاج إلى تدريب نفسي على التحكم في الانفعالات واكتساب مهارات التواصل الفعال
ولا تقف آثار الصوت المرتفع عند حدود الحوار فقط بل تمتد إلى العلاقات الاجتماعية والأسرية
إذ غالبا ما يقع أصحاب العصبية المفرطة في مشكلات متكررة قد تصل إلى فقدان علاقات ثمينة
نتيجة اندفاعهم وعدم إدراكهم لحجم الخسائر التي يسببها هذا السلوك
وعلى النقيض يظل الهدوء وحسن الاستماع والتركيز أدوات فعالة لاتخاذ القرارات الصائبة حتى في لحظات الخطأ
فالحجة القوية والطرح الهادئ يملكان القدرة على الإقناع دون حاجة إلى صخب
ولعل التاريخ يقدم لنا مثالا واضحا إذ كانت الجيوش قديما تطلب الهدنة عندما يشتد التوتر وتضطرب الصفوف
إدراكا بأن الهدوء وحده يعيد صفاء التفكير ويقود إلى القرار السليم

اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

