الطبيب جارح مع جمال الدين
الطبيب جارح مع جمال الدين
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الطبيب جارح مع جمال الدين
ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن جمال الدين الأفغاني، وذكر عنه الأمير شكيب أن المستشرق المعروف الكونت لاون استروروج حدثه أن السيد الأفغاني كان صديقه، فدعاه إليه بعد إجراء العملية الجراحية وقال له إن السلطان عبد الحميد الثاني أبى أن يتولى العملية إلا جراحه الخاص، وإنه هو رأي حال المريض ازدادت شدة بعد العملية، ورجا منه أن يرسل إليه جراحا فرنساويا مستقل الفكر طاهر الذمة، لينظر في عقبى العملية، فأرسل إليه الدكتور لاردي، فوجد أن العملية لم تجر على وجهها الصحيح، ولم تعقبها التطهيرات اللزمة، وأن المريض قد أشفى بسبب ذلك، وعاد إلى استروروج، وأنبأه بهذا الأمر المحزن، ولم تمضي أيام حتى فارق جمال الدين الحياة، وذكر واحد ممن كانوا في خدمة السلطان عبد الحميد.
بعد أن روى له الأمير هذه القصة أن قمبور زاده إسكندر باشا كان أطهر وأشرف من أن يرتكب مثل تلك الجريمة، وحقيقة الواقعة أنه كان بالأستانة طبيب اسنان عراقي اسمه جارح، يتردد كثيرا على جمال الدين، ويعالج اسنانه، وكانت نظارة الضابطة وهي إدارة الأمن العام قد استمالت جارح هذا بالمال، وجعلته جاسوس على السيد، وصار له عدوا في ثياب صديق، وقال صاحب هذه الرواية أنه أراد مرة أن يمنع الطبيب المذكور من الاختلاط بجمال الدين، فأشار إليه ناظر الضابطة إشارة خفية بأن يتركه، وفهم من الإشارة أن يذهب إلى السيد ويعالج اسنانه، بعلم من النظارة، والسيد لا يعلم بشيء من ذلك، ويطمئن إلى جارح ويثق به، ولم تمضي عدة أشهر على حادثة الشاه حتى ظهر السرطان في فك السيد من الداخل.
وأجريت له عملية جراحية فلم تنجح، وجارح هذا ملازم للمريض، وبعد موته كانوا يرونه دائما حزينا، يبدو على وجهه الوجوم والخزى، مما جعلهم يشتبهون أن يكون له يد في إفساد الجرح بعد العملية، أو في توليد المرض نفسه من قبل بوسيلة من الوسائل، ولما مات السيد بدا الندم على الطبيب الأثيم، وشعر بوغز الضمير يؤنبه على خيانته هذا الرجل العظيم، وكانت وفاته صبيحة يوم الثلاثاء التاسع من شهر مارس سنة الف وثماني مائة وسبع وتسعين من الميلاد، وما أن بلغ الحكومة العثمانية نعيه حتى أمرت بضبط أوراقه وكل ما كان باقيا عنده، وأمرت بدفنه من غير رعاية أو احتفال في مقبرة المشايخ بالقرب من نشان طاش فدفن كما يدفن أقل الناس شأنا في تركيا وتحت مراقبة الدولة، وقبر فيلسوف الاسلام.
ورائد نهضتها جمال الدين الافغاني في وسط جامعة كابل، وتم نقل جثمانه من تركيا في عام ألف وتسعمائة وأربعة وأربعون من الميلاد، في موكب إسلامي مهيب إلى بلده أفغانستان، حيث دفن في مدينة كابل ويقع ضريحه حاليا في وسط جامعة كابول.
الطبيب جارح مع جمال الدين
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.