حوادث وقضايا

حكايات نجاة وبطولة وأحلام دُفنت تحت الركام

كتبت رنيم علاء نور الدين

حكايات نجاة وبطولة وأحلام دُفنت تحت الركام

بقلم: رنيم علاء نور الدين

لم يكن سقوط العقار في مدينة المنيا مجرد حادث إنشائي، بل مشهدًا إنسانيًا قاسيًا، انقسمت فيه الثواني بين الحياة والموت، وبين النجاة والفقد. في لحظة واحدة، تحوّل مبنى سكني مأهول إلى ركام صامت، يخفي تحته قصصًا لم تكتمل، وأبطالًا لم يبحثوا عن مجد، بل عن إنقاذ من يحبون.

قبل الانهيار الكامل بلحظات، كُتب لمواطن عمر جديد. كان يمر بسيارته أسفل العقار بشكل طبيعي، حين سقطت شرفة من الطابق العلوي مباشرة فوق المركبة، محطمة إياها ومحاصرة الرجل بداخلها. هرع الأهالي، بلا تردد، في سباق مع الزمن، ونجحوا في إخراجه من بين الحطام. دقائق قليلة فقط، ابتعد فيها عن المكان، كانت الفاصل الدقيق بين النجاة والموت، إذ لم تكد تمر لحظات حتى انهار العقار بالكامل، ليقف الجميع مذهولين أمام معجزة توقيت أنقذت حياة إنسان.

لكن النجاة لم تكن الحكاية الوحيدة. داخل العقار، كتب أحد القاطنين فصلًا مختلفًا من البطولة. تمكن، وسط الخطر، من إخراج والدته وشقيقته وتأمينهما بعيدًا عن المبنى الآيل للسقوط. كان بإمكانه التوقف عند هذا الحد، لكنه عاد مرة أخرى، مدفوعًا بنداء الإنسانية، لمساعدة جيرانه على إخلاء المكان. في تلك اللحظة، لم تمهله الجدران المتشققة، وانهار العقار فوقه، ليصبح البطل الذي أنقذ أسرته مفقودًا تحت الأنقاض، بينما تواصل فرق الإنقاذ جهودها، وسط دعوات الأهالي، لانتشاله حيًا أو وداعه بما يليق بتضحيته.

وتحت الركام أيضًا، دُفنت أحلام لم تبدأ بعد. جيران العقار تحدثوا عن عروسين أنهيا تجهيز شقتهما بالكامل قبل ثلاثة أيام فقط من الحادث. سنوات من الشقاء والعمل تحولت في لحظة إلى كومة حجارة. لم يفقدا الأثاث والفرش فحسب، بل فقدا بداية كان من المفترض أن تكون مليئة بالفرح، ليجدا نفسيهما أمام واقع قاسٍ وبداية من الصفر.

غرفة العمليات بالمحافظة كانت قد تلقت بلاغًا بانهيار جزئي بالمنزل، وعلى الفور تحركت الأجهزة التنفيذية، حيث اتخذت الوحدة المحلية لمركز ومدينة المنيا إجراءات عاجلة شملت فصل المرافق، وفرض كردون أمني بمحيط العقار حفاظًا على أرواح المواطنين. وحتى الآن، لم تُرصد حالات وفاة، بينما جرى نقل ثلاث إصابات إلى المستشفى لتلقي الرعاية الطبية اللازمة. كما وجّه المحافظ بتقديم أوجه الدعم للمصابين، والإزالة الفورية لمخلفات الانهيار لإعادة حركة الشارع، مع استمرار المتابعة واتخاذ الإجراءات القانونية والفنية اللازمة حيال العقار.

ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه وسط هذا الركام الإنساني: كم عقارًا آخر يجب أن ينهار، وكم حلمًا يجب أن يُدفن، قبل أن تتحول التحذيرات من الخطر إلى قرارات تحمي الأرواح قبل فوات الأوان؟

 

حكايات نجاة وبطولة وأحلام دُفنت تحت الركام


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading