
دوامة الاعتداءات داخل مدرسة الإسكندرية الدولية
كتبت : رنيم علاء نور الدين
في صباحٍ يبدو عاديًا من شتاء الإسكندرية، كانت البوابة الحديدية لمدرسة الإسكندرية الدولية تُفتح بالطريقة نفسها، بنفس الرنين الخافت،
بنفس خطوات الأطفال الصغيرة التي تركض إلى الداخل وهي تحمل على ظهرها حقائب أكبر منهم بقليل. لا أحد كان يتخيل أن خلف هذه البوابة الهادئة، كانت مأساة تتسع بصمت… مأساة تكبر كل يوم دون أن يلحظها أحد.
كانت القضية في بدايتها تبدو “واقعة فردية”، خمسة أطفال فقط… خمسة بلاغات رسمية.
لكن ما إن انعقدت أولى جلسات محاكمة المتهم (س. ر)، الجنايني المحبوس احتياطيًا، حتى انقلب المشهد رأسًا على عقب. فجأة ظهرت أربع أسر جديدة. أربع شهادات إضافية، كل منها يحمل وجعًا يشبه الآخر، تفاصيل متطابقة حدّ الارتعاش، وكأن الأطفال—الذين لم يتجاوز أكبرهم سن الخامسة—يحكون نسخة واحدة من الألم.
أعلنت هيئة الدفاع في بيانٍ هزّ أركان القاعة: «أصبح لدينا الآن ٩ حالات اعتداء».
لكن الصدمة لم تتوقف هنا. فبين السطور التي قرأها المحامون، كانت هناك إشارة خطيرة: تورط محتمل لإحدى العاملات—“الناني”—داخل المدرسة. شهادات الأطفال وأسرهم رجّحت أن هذه العاملة لم تكن فقط تعلم بما يجري، بل أخفت معلومات مهمة عن الإدارة، وتسترت على الجنايني، ومررت الأيام كأن شيئًا لا يحدث.
ومع كل شهادة جديدة، كانت تتضح قسوة ما عاشه الصغار. فالأمر لم يكن اعتداءً فقط… الأطفال تحدثوا عن ضرب. عن عنف جسدي مباشر أثناء الاعتداءات، عن خوف جعل أصواتهم حبيسة صدورهم أيامًا قبل أن يجرؤوا على الكلام.
وبينما كانت النيابة تستمع، برز تفصيلٌ مرعب من قلب التحقيقات:
في تلك الفترة التي تسبق بدء اليوم الدراسي—نصف ساعة فقط، 45 دقيقة بالكثير—كانت الرقابة شبه غائبة. المدرسة تعمل بنظام “الوردية الواحدة” لتقليل المصروفات، ما ترك أطفال رياض الأطفال دون إشراف كافٍ. وقتٌ صغير، لكنه بالنسبة للمتهم كان نافذة كاملة.
هناك، في “الجنينة” الخلفية… المنطقة البعيدة عن الكاميرات، حيث الحوش الضيق والحمام الصغير المخبأ وسط الأشجار، كان يستدرج الأطفال. يخبرهم بأنه سيعلّمهم “جمباز”… “حركات جديدة”. كانوا يصدقونه. كانوا يظنون أن ما يحدث جزء من التدريب.
لكن تقارير الطب الشرعي كشفت الحقيقة القاسية:
أطفالٌ جميعهم دون سن الخامسة، منعدمو الإرادة قانونيًا، ما يجعل الجريمة واقعة بالقوة أو التحايل.
والأدق… أن روايات الأطفال تطابقت بشكل صادم، كأنهم يروون مشهدًا واحدًا عاشوه جميعًا في أوقات مختلفة.
اليوم، يعمل فريق الدفاع على توثيق كل كلمة، كل صورة، كل شهادة. فالقضية لم تعد مجرد بلاغات متفرقة، بل أصبحت ملفًا متشعبًا يزداد اتساعًا كلما ظهر ضحية جديدة، أو تفصيلة جديدة.
الجلسات المقبلة قد تكشف أدوارًا أخرى داخل المدرسة… وربما أشخاصًا كانوا أقرب للحقيقة مما يظهر على السطح.
لكن السؤال الآن—السؤال الذي لا يمكن الهروب منه:
كيف مرّ كل هذا في صمت داخل مدرسة يُفترض أنها مكان للأمان قبل التعليم؟
دوامة الاعتداءات داخل مدرسة الإسكندرية الدولية
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

