
رأي وتحليل الطب النفسي لحادثه مقتل الطفل بالاسماعيلية.
رأي وتحليل الطب النفسي لحادثه مقتل الطفل بالاسماعيلية.
تتوالى جرائم صادمة في مصر يرتكبها أطفال لم يتجاوزوا سن المراهقة، كان آخرها جريمة الإسماعيلية، حيث أقدم طفل يبلغ من العمر 13 عاماً على قتل زميله وتقطيع جثمانه، مستلهماً تفاصيل الجريمة من لعبة إلكترونية عنيفة.
سبقت هذه الواقعة حادثة مشابهة في محافظة القليوبية، حيث قام طفل، يبلغ من العمر 15 عاماً، بتحريض شاب على قتل طفل آخر، بل وصوّر الجريمة بهدف بيع المشاهد على مواقع “الدارك ويب”، في واحدة من أكثر الوقائع إثارة للدهشة.
وتتزايد علامات الاستفهام حول مصدر هذا العنف المبكر، متسائلة: هل هو نتيجة الانغماس في ألعاب الفيديو الدموية أم ثمرة لمحتوى سينمائي مفرط في العنف بات متاحاً بسهولة أمام الأطفال؟
لتحليل الجريمة نفسياً، يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إن الطفل الذي ينغمس في مشاهدة أفلام العنف أو الألعاب الإلكترونية الدموية،
وغالباً ما يعاني من حرمان عاطفي ونقص في التواصل الأسري، مما يجعله أكثر عرضة لتبني سلوكيات عدوانية وغير سوية.
وأوضح أن غياب الرقابة الأسرية والتواجد الفعلي للأهل في حياة الطفل، يدفعه للبحث عن بدائل وهمية تمنحه شعوراً زائفاً بالقوة والسيطرة،
وهو ما يجده في تلك المشاهد العنيفة التي تُشبع لديه رغبة داخلية في التعويض عن النقص والفراغ العاطفي الذي يعيشه.من .
وأضاف فرويز أن الطفل في هذه الحالات لا يدرك الفارق الحقيقي بين الواقع والخيال، فمع تكرار المشاهدة، تتكون لديه حالة من التبلد العاطفي تجاه مشاهد الدماء والعنف، إلى درجة أنه يبدأ في محاكاة ما يراه دون وعي، ظناً منه أن القوة الحقيقية تكمن في تقليد تلك الأفعال.
وأشار إلى أن جريمة الإسماعيلية الأخيرة مثال صارخ على تراكم أخطاء تربوية ونفسية، إذ لم يكن الدافع مجرد خلاف بين زميلين،
بل نتاج حالة فقدان الاحتواء الأسري وانعدام المراقبة، إلى جانب تأثير المحتوى العنيف الذي استمد منه الطفل فكرته لتنفيذ الجريمة.
وقال الدكتور عادل مدني، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر إن أفلام الرعب والألعاب العنيفة تُعد من أخطر أنواع المحتوى على الأطفال والمراهقين،
إذ تزرع داخلهم مشاعر القلق والتوتر والخوف المستمر، وقد تتطور تلك المشاعر مع الوقت لتتحول إلى نوع من العزلة أو الانطواء، فيبدأ الطفل بمحاكاة ما يراه في تلك الألعاب أو الأفلام دون إدراك للعواقب الحقيقية لأفعاله.
وأوضح مدني أن ما يفاقم من خطورة هذه الظاهرة هو الانتشار الواسع للتكنولوجيا الحديثة وسهولة الوصول إلى المحتوى عبر الإنترنت والهواتف الذكية،
حيث أصبح الهاتف المحمول في متناول الأطفال بشكل دائم، ما يتيح لهم مشاهدة ما يريدون دون أي رقابة أسرية أو توجيه سلوكي.
وأضاف أن الهاتف المحمول تحول إلى مصدر أساسي للمعلومات والتأثير، بينما تراجع دور الأسرة تدريجياً في متابعة الطفل أو معرفة ما يشاهده يومياً.
وأشار أستاذ الطب النفسي إلى أن الأطفال والمراهقين من عمر 9 سنوات إلى 20 عاماً هم أكثر الفئات تأثراً بما يشاهدونه عبر الإنترنت ووسائل الإعلام،
فهم في مرحلة التكوين النفسي والعقلي، ومع غياب التفاعل الأسري وفقدان الحوار داخل المنزل، يصبح المحتوى الإلكتروني هو المعلم الأول، والقدوة غير المباشرة التي يقتدي بها الطفل.
وأكد مدني أن ما حدث في جريمة الإسماعيلية مؤخراً هو نتيجة مباشرة لهذا الانفصال بين الطفل وأسرته، موضحاً أن الطفل الذي يرتكب جريمة في مثل هذا العمر لا يكون مدركاً تماماً لما يفعله،
بل يقلد ما يشاهده في الألعاب والأفلام دون وعي، ظناً منه أنه يعيد تمثيل مشهد أو يحقق انتصاراً كما يحدث في العالم الافتراضي.
واختتم الدكتور عادل مدني تصريحه بالتأكيد على أن الحل يبدأ من الرقابة الواعية والمشاركة الأسرية، من خلال توجيه الأبناء،
ومناقشة ما يشاهدونه، وتنمية وعيهم النقدي تجاه المحتوى الرقمي، لأن ترك الطفل في عزلة مع الهاتف دون رقابة هو الخطوة الأولى نحو الانحراف السلوكي أو الجريمة.
رأي وتحليل الطب النفسي لحادثه مقتل الطفل بالاسماعيلية.
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.