رحمة من عندنا وذكرى للعابدين
بقلم / محمـــد الدكـــروري
رحمة من عندنا وذكرى للعابدين
لقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن عبده ورسوله أيوب عليه السلام، وما كان ابتلاه به من الضر في جسده، وماله، وولده، حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليما سوى قلبه، ولم يبق له من حال الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه، غير أن زوجته حفظت ودّه، لإيمانها بالله ورسوله، فكانت تخدم الناس بالأجرة، وتطعمه، وتخدمه نحوا من ثماني عشرة سنة، وقد كان رفضه القريب والبعيد، سوى زوجته رضي الله عنها، فإنها كانت لا تفارقه صباحا ولا مساء إلا لخدمة الناس ثم ما تلبث أن تعود لخدمته ورعايته والقيام على شأنه، ولما طال عليه الأمر، واشتد به الحال، وانتهى القدر المقدور، وتم الأجل المحدد تضرع أيوب إلى ربه قائلا ” أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين”
وفي الآية الأخرى، قال “رب إني مسني الشيطان بنصب وعذاب” فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين، وأمره أن يقوم من مقامه، وأن يضرب الأرض برجله، ففعل، فأنبع الله عينا، وأمره أن يغتسل منها، فأذهب جميع ما كان في بدنه من الأذى، ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر، فأنبع له عينا أخرى، وأمره أن يشرب منها، فأذهبت ما كان في باطنه من السوء، وتكاملت العافية ظاهرا وباطنا، ولهذا قال تعالى “اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب” وقد روى البزار وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن نبي الله أيوب عليه السلام لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين، كانا من أخص إخوانه به، كانا يغدوان إليه ويروحان.
فقال أحدهما لصاحبه تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، قال له صاحبه وما ذاك؟ قال من ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله، فيكشف ما به، فلما راحا إليه، لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب لا أدري ما تقول، غير أن الله يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله عز وجل، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما، كراهية أن يذكرا الله إلا في حق، فقال وكان يخرج إلى حاجته، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، وأوحى الله تعالى إلى أيوب عليه السلام، أن “اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب” فاستبطأته، فتلقته تنظر، فأقبل عليها، قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو على أحسن ما كان، فلما رأته قالت أي بارك الله فيك.
هل رأيت نبي الله هذا المبتلى، فوالله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك، إذ كان صحيحا، قال فإني أنا هو، قال وكان له أندران، أندر للقمح، وأندر للشعير ومعنى الأندر هو البيدر، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح، أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير حتى فاض” وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “بينما أيوب يغتسل عريانا، خرّ عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثو في ثوبه، فناداه ربه، يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال بلى يا رب، ولكن لا غنى بي عن بركتك” ولهذا قال تعالى “ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب”
رحمة من عندنا وذكرى للعابدين
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.