شعرات أمي ( الفضية ) بقلم دكتور_ محمد محفوظ
شعرات أمي ( الفضية )
بقلم ….دكتور / محمد محفوظ
تمر الأيام بعد رجوع أمي إلى ربها ..
وما تزال شعراتها الفضية ، تظهر لي في كل ركن وزاوية بالبيت ، على الفوتيهات والكنب ، وعلى السجاجيد والأرضيات ، وعلى الملابس والملاءات …..
أعرف الشعر الأبيض عندما يغزو الرأس فيشتعل شيباََ ، كما قال زكريا ( عليه السلام ) .
ولكن شعر أمي الفضي ، كان يتلألأ على رأسها وجبينها ، فيضيئ وجهها وملامحها المتسامحة الطيبة .
إلا أن أمي ككل ربات البيوت ، كانت قد تعودت أن تغطي شعرها ، كي لا يشاغلها أثناء تنظيف البيت ، أو يسقط في الطعام أثناء إعداده لنا .
ولذلك ، كنت دوما أقول لها ، بأن شعرها ليس أبيض ، ولكنه فضي وأنيق ، ويجب أن تتباهى به ولا تغطيه .
وكنت أداعبها وأذكرها بالآية الكريمة :
(( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة … )) .
ومع استمرار تراجع الصحة كلما تقدم العمر ، أصبح من الصعب على أمي أن تنزل من بيتها ، لذلك صارت تقص شعرها كلما طال بنفسها .
ولكن مع الوقت بدأت تضعف ذراعاها ، فكنت أقصه لها ، أو أفك لها بالمشط ما تلعبك من خصلات شعراتها .
كانت شعرات أمي الفضية تتناثر بالبيت أثناء حياتها .
ولكن بعد رجوع أمي لربها ، ما زالت بعض تلك الشعرات باقية ، رغم رحيل صاحبتها …….
باقية .. رغم .. رحيل .. صاحبتها …
لذلك ، عند التقاطي لأول شعرة فضية لأمي بعد رحيلها ، تساءلت بيني وبين نفسي : هل احتفظ بتلك الشعرات لتتجمع في خصلة بمرور الوقت ، فتكون نوعا من الذكرى الباقية لأمى ووفاءََ لها ؟
ولكنني اطمأننت أكثر لخاطر ، مفاده : بأن عرش حب أمي ( الذهبي ) سيظل مستقرا داخل قلبي وعقلي ونفسي ، مهما غاب جسدها ، أو غاب ما تركته وراءها من ( الفضي ) من شعراتها …..
فالأجساد يواريها التراب ..
ولكن الأنفس وإن ( رجعت ) إلى ربها ..
فإنها تظل ( ساكنة ) داخل قلوبنا وعقولنا .
واليوم ، يوافق مرور ٦٦ يوما على رجوع أمي لربها .
مثلما استمر – لمدة ٦٦ يوما – مرض موتها .
فيا من كانت الجنة تحت قدميها بالدنيا ..
ونسأل الله بفضله أن تكون داراََ لها بعد الممات .
ما زالت شعراتك الفضية تعرف طريقها لعيوني ..
فأعلم ، إنها إشارة رحمة من رب العباد .
دكتور / محمد محفوظ
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.