طفل يُصارع النوبات… والنجاة في جهاز لا تملكه الدولة
في أحد أحياء الإسكندرية الهادئة، يعيش طفل صغير مع أسرته في صراعٍ يومي مع المرض والمجهول.
طفل لم يعرف اللعب كما عرفه أقرانه، لأن طفرةً جينية نادرة سرقت منه طفولته، وحوّلتها إلى سلسلة لا تنتهي من النوبات المؤلمة.
الإسم العلمي لحالته يبدو معقدًا مثل معاناته: متلازمة بوارييه بيانفينو — اضطراب جيني يصيب المخ، فيُحدث خللاً في كهربائه ويؤدي إلى نوبات صرع متكررة لا تستجيب للأدوية.
يقول والده بصوتٍ مثقلٍ بالحزن:
“ابني بيتألم كل يوم… النوبات بتجيله فجأة، خمس مرات أو أكتر في اليوم، وكل مرة بنخاف تكون الأخيرة.”
لم تكن النوبات مجرد لحظات عابرة، بل مشاهد قاسية يصعب احتمالها، ففي إحدى جلسات العلاج، تعرّض الطفل لخمس نوبات متوسطة خلال وقتٍ قصير، استمرت كل منها ما بين 15 و20 ثانية، تتخللها رعشات وصرخات مكتومة. أما النوبات الكبرى، فتدوم أحيانًا لربع ساعة كاملة، لا تنتهي إلا بعد حقنه بمخدر خاص يحمله والده معه في كل مكان تحسبًا للأسوأ.
ويقول الأب وهو يمسح دموعه :
“كل مرة بشوفه بيتشنج قدامي ومش قادر أعمل له حاجة… إحساس بالعجز بيموتني كل يوم .”
منذ تشخيص الحالة، خاضت الأسرة رحلةً طويلة بين المستشفيات واللجان الطبية. من الإسكندرية إلى القاهرة، مرورًا بوزارة الصحة، جرّبوا جميع الأدوية والبروتوكولات العلاجية الممكنة، لكن دون جدوى.
الحقيقة القاسية التي واجهوها كانت أن المرض لا يستجيب لأي دواء، وأن الأمل الوحيد لتحسّن الحالة يتمثل في زراعة جهاز يُعرف باسم “محفز العصب الحائر” (VNS).
هذا الجهاز يُزرع جراحيًا في منطقة الصدر ويتصل بالعصب الحائر في الرقبة، ليُرسل نبضات كهربائية تُقلل من عدد النوبات وشدتها.
لكن تكلفة الجهاز تقترب من مليون ونصف جنيه مصري ، مبلغ يفوق قدرة الأب والأم اللذين أنهكتهما سنوات العلاج والتنقل بين الأطباء.
“قدّمنا طلب لوزارة الصحة علشان يتجاب الجهاز على نفقة الدولة، والملف اتعرض من أكتر من 3 شهور.
و يقول الأب بصوتٍ يختنق بين الرجاء واليأس
“بس لحد دلوقتي مفيش رد.”
يؤكد أحد الأطباء المتابعين للحالة أن تأخر العلاج قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة:
“كل نوبة صرع بتأثر على خلايا المخ، ومع تكرارها ممكن تحصل تلفيات دائمة. الجهاز ده مش رفاهية… هو وسيلة لإنقاذ حياة.”
وفي الوقت الذي تنتظر فيه الأسرة استجابةً من الجهات المعنية، بدأت التفكير في إطلاق حملة تبرعات كملاذٍ أخير لتوفير ثمن الجهاز وإنقاذ الطفل قبل فوات الأوان.
الأم، التي أنهكها الخوف والسهر، تقول بعينين دامعتين:
“نفسي أشوف ابني بيضحك، بيتكلم، بيعيش طبيعي زي أي طفل… تعبنا من الانتظار، وكل يوم بيعدي بنخاف أكتر.”
القصة لا تتوقف عند أسرةٍ واحدة، بل تطرح سؤالًا موجعًا يتردد في عقول كثيرين:
كيف يُترك طفل يعاني هكذا بينما العلاج معروف ومتاح، لكنه بعيد فقط لأن ثمنه مرتفع؟
النداء الآن موجّه إلى وزير الصحة، وأعضاء لجنة الصحة بالبرلمان، وكل مسؤول يملك قرارًا أو كلمة قادرة على إنقاذ حياة.
فكل دقيقة تمر، قد تعني نوبة جديدة… وقد تعني نهاية الأمل.
في النهاية، تبقى الإنسانية آخر ما يمكن التمسك به في مواجهة العجز.
ربما لا تملك الأسرة صوتًا عاليًا أو طريقًا سريعًا للمسؤولين، لكنها تملك أملًا لا ينطفئ بأن يجد طفلها فرصةً للنجاة.
ولهذا، يوجّه الأهل نداءهم لكل من يملك قلبًا قبل أن يملك سلطة:
إلى أصحاب المبادرات الخيرية، ورجال الأعمال، والجمعيات الطبية والإنسانية — أن يمدوا يد العون قبل أن يُصبح الوقت متأخرًا.
فثمن الجهاز، مهما بدا كبيرًا، يساوي حياة طفل، وابتسامة أمٍّ تنتظر أن ترى ابنها يضحك بلا خوف، لأول مرة منذ سنوات.
طفل يُصارع النوبات… والنجاة في جهاز لا تملكه الدولة
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.