مقالات ووجهات نظر

غداً لنا لقاء أمام قاضى السماء

بقلم.. راندا حافظ

بقلم.. راندا حافظ

تُعد هذه الجملة من أصعب الجمل التى يسمعها الإنسان من المظلوم ،و لكن العجيب فى الموضوع أن الظالم نفسه نادراً ما يستشعرها ، بل الأعجب من ذلك أنه قد يُصدِّق نفسه بأنه ليس بظالم ، ويتمادى فى ظلمة فخوراً بنفسه ،

و نسى قول الله عز وجل (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) ) [سورة الأعراف]
فهم لا يضعون الله سبحانه وتعالى فى حساباتهم و نسوا لقاءه و ءامنوا مكره و حسبوا أنهم لا عقاب لهم ، ولكنهم لا يعلمون أن الله عز وجل يصبر على الظالم و يستدرجه ،

فلا تغتر أيها الظالم ولا تتجاهل قوله تعالى ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ۝ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) [الأعراف:182-183]،
أى أن الله عز وجل يمتعهم بمتاع الدنيا حتى يظنوا أنهم متعوا به بخير لهم عند الله، فيتمادوا في طغيانهم، ثم يأخذهم بغتة وهم لا يشعرون.

وكما ورد فى الحديث عن أَبي موسى  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) و ﻳﻤﻠﻲ ﻟﻪ؛ ﻳﻌﻨﻲ: ﻳﻤﻬﻞ ﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻤﺎﺩﻯ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﻪ ﻭﺍﻟﻌﻴﺎﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﻓﻼ ﺗﻌﺠﻞ ﻟﻪ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻼﺀ، ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺬﻧﺎ ﻭﺇﻳﺎﻛﻢ، ﻓﻤﻦ ﺍلاﺳﺘﺪﺭﺍﺝ ﺃﻥ يملي ﻟﻺ‌ﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﻪ، ﻓﻼ يعاقبه ﺳﺮﻳﻌًﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻜﺪﺱ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻤﻈﺎﻟﻢ، ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺧﺬﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﻔﻠﺘﻪ، ﺃﺧﺬﻩ ﺃﺧﺬ ﻋﺰﻳﺰ ﻣﻘﺘﺪﺭ.

فعلى الإنسان أن يحذر من الظلم ومن قول الزور و شهادة الزور و فعل الزور و لا يحسب أن الله غافل عما يفعل الظالمون لقوله تعالى ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ.) وقيل فى تفسير ذلك أي : لا تحسبه إذ أنظرهم وأجلهم أنه غافل عنهم مهمل لهم ، لا يعاقبهم على صنعهم بل هو يحصي ذلك عليهم ويعده عدا أي : ( إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) أي : من شدة الأهوال يوم القيامة .

أما عن الشاهد الزور فنقول له شهادة الزور من أكبر الكبائر ومن أعظم الذنوب يقول الله سبحانه:( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) الحج:30، وهذا تحذير مباشر و صريح من اجتناب قول الزور .

ويقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.

يعني: ما زال يكرر التحذير من شهادة الزور، حتى قال الصحابة: ليته سكت، يعني: إبقاءً عليه لئلا يشق على نفسه عليه الصلاة والسلام.
يشق على نفسه عليه الصلاة والسلام.

والمقصود من هذا التحذير منها، وإن كان الشرك أكبر والعقوق أكبر لكنها جريمة عظيمة يتعلق بها شر عظيم وظلم للناس،

فعلينا جميعاً أن نُحاسِب أنفسنا قبل أن نُحَاسَب ، ونتحلل من المظالم اليوم قبل غداً ، فنحن لا ندرى هل يأتى غداً و يجدنا أم لا ؟؟فيا مَن تأكلون أموال الناس بالباطل ، و يا مَن تأكلون ميراث الناس بالباطل ،و يا مَن تشهدون على الأبرياء بالباطل ، و يا مَن تجاملون بعضكم بعضا على حساب ظلم الأخرين ، و يا مَن جعلتم الله أهون الناظرين إليكم و يا مَن ماتت ضمائركم لكم جميعاً نقول أفيقوا و عودوا إلى رشدكم و تذكروا قول الله عز وجل ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ
ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) (281) سورة البقرة ، و إن لم تفيقوا فنختم بما بدأنا به ،

( ولنا أمام قاضى السماء لقاء ) .


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading