ماذا بعد الحرب الأوكرانية
ماذا بعد الحرب الأوكرانية
بعد ان تضع الحرب الأوكرانية اوزارها يوما ما ، وايا ما كانت نتائجه التي سوف تنتهي إليها بعد كل ما جري فيها ، فإن الرئيس الروسي بوتين سوف يكون بحاجة اكثر من اي وقت مضي لمراجعة استراتيجياته الدولية وإعادة ترتيبه لأهدافها ، والتحول عن آلياتها التنفيذية الحالية إلى غيرها من الآليات والأدوات ..
ولأنه وبحكم ما احدثته تلك الحرب من تحولات عميقة وتمخضت عنه من دروس ومؤشرات ، فإنه لا يتصور ان تكون مرحلة ما بعد حرب روسيا علي أوكرانيا هي نفس ما كانت عليه قبلها او مجرد استمرار وامتداد لها بكل عيوبها واخطائها وسلبياتها واوجه الضعف فيها. وهي اخطاء وعيوب واضحة ولا ينبغي عليهم في اعلي دوائر إتخاذ القرار في موسكو انكارها او تجاهلها حتي لا تتكرر.
وفي اعتقادي ان الرئيس بوتين سوف يبقي ويستمر علي قمة هرم السلطة في روسيا ، ومعه دائرة المسئولين الكبار اياهم، وهي الدائرة القريبة منه والمحيطة به ، لصعوبة اقصائهم من مواقعهم واحلالهم بمسئولين آخرين ، لأنه يجد نفسه معهم اكثر مما يجدها مع غيرهم شأنه في ذلك. شأن كل النظم الفردية الدكتاتورية في العالم ، وهي النظم التي لا تبحث عن شركاء لها في المسئولية ، بقدر ما يعنيها في اختيارها لهم ان يكونوا علي انقياد تام لها ، وألا يخرجوا عن حدود المرسوم لهم كمجرد منفذين وليس كفاعلين ومشاركين حقيقيين .. اعني ان الوضع الراهن غالبا ما سوف يستمر ولن يتغير إلا لظروف قهرية لا يد لبوتين فيها.
وبالتالي يصبح السؤال : هل يمكنه ان يجري كل تلك المراجعات
او يقدم عليها ، وهو من لا يريد تغيير رؤيته الذاتية للواقع الدولي ليساير متغيراته ومعطياته الجديدة والتي كشفت الحرب الأوكرانية عن الكثير مما كان خافيا منها ؟
وهل سوف يمكنه التحول بمؤشرات اهتمامه ليكون تركيزه اكثر
في المرحلة المقبلة علي توظيف أدوات قوة روسيا الناعمة ، وهي كثيرة ومتنوعة ومؤثرة بدلا من تركيزه الزائد الحالي علي أدوات قوتها الخشنة او الصلبة من اسلحة نووية وفرط صوتية وما اشبه بعد ان ثبت عدم جدواها او فاعليتها في الصراعات الدولية التقليدية المحدودة كما في اوكرانيا وسوريا وغيرها من الصراعات والحروب الصغيرة ؟
وألا يمكن لروسيا بالتحول عن استراتيجيتها الدولية الراهنة إلي إستراتيجية جديدة ، ان تنافس الغرب في اهم معاقل نفوذه ومصالحه بأسلحة الطاقة والغاز الطبيعي والحبوب والغذاء وسلاسل الإمداد وبتكنولوجيا الاتصالات وبالمساعدات الاقتصادية والفنية والانسانية ، وبالخبراء والفنيين الروس المتخصصين في مجال التنمية البشرية وتطوير المجتمعات ، ان تكون سباقة ومتميزة في العديد منها ، وحتي لا تبقي المبادرة بيد الغرب وحده ؟
ألا يحتاج بوتين في مرحلة ما بعد حرب أوكرانيا لأن يعيد تقديم روسيا إلي العالم كقوة تنمية وسلام واعمار وتعيش ايجابي مع الجميع ، بدلاً من التباهي بقوتها النووية والصاروخية كما اعتاد ان يفعل ؟
اعتقد أنه سوف يكون من الحماقة والغباء وهو يسعي لأن يكون احد اقطاب النظام الدولي الكبار ان تكون اوراق اعتماده لشغل
هذا الموقع بكل تبعاته وواجباته وتكاليفه واعبائه ، ان يكون طريقه الوحيد إليه هو ترساناته النووية والعسكرية ، فهذا وحده لا يكفي وعليه ان يكون في مستوي التحديات القادمة ، هذا إذا كان له ان يرقي إلي مستوي الدور الدولي الكبير الذي يتطلع إليه ويجاهر دائما به.
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.