مقالات ووجهات نظر

ما لا تتحمله النفس يصرخ به الجسد

بقلم د/داليا علي

ما لا تتحمله النفس يصرخ به الجسد 

ما لا تتحمله النفس يصرخ به الجسد في عالم تتسارع فيه الإيقاعات، بات من الصعب أحياناً أن نفهم ماذا يريد أن يخبرنا به الجسد الكثيرون يطرقون أبواب العيادات الطبية بحثاً عن تفسير لأوجاع متكررة:

صداع، شد عضلي، ألم في المعدة، تعب مزمن، ضيق في الصدر  لكن بعد الفحوصات والتحاليل، تأتي الجملة المعتادة: “كل شيء طبيعي.”

هنا يبدأ السؤال الحقيقي:

هل هذا ألمٌ جسدي… أم نفسي؟

الجسد لا يكذب… لكنه يعبّر بطريقته

الألم النفسي لا يظهر دائماً كحزن أو بكاء. أحياناً يختبئ داخل الجسد  يطلب اهتماماً لا نستطيع تجاهله. فما لا نقوله بالكلام، يقوله الجسد بالأعراض.

التوتر والقلق والصدمات لا تختفي  بل تتحول إلى نبض سريع، أرق، آلام عضلية، اضطرابات في الجهاز الهضمي، ووخز في الأطراف بينما التحاليل تبقى سليمة.

ذلك لأن الإنسان ليس أجزاءً منفصلة، بل وحدة متكاملة يتواصل فيها العقل والجسد باستمرار.

الأعراض النفسيجسدية عندما تتجسد المشاعر في صورة ألم

تُعرَف الأعراض النفسجسدية بأنها شكاوى جسدية حقيقية تنشأ أو تزداد بسبب عوامل نفسية مثل القلق، الضغط، الصدمات العاطفية، أو الإجهاد المستمر. ورغم غياب السبب العضوي، يبقى الألم حقيقياً ومؤثراً.

أشهر الأعراض النفسجسدية:

الصداع المزمن أو الشقيقة المرتبطة بالتوتر

آلام المعدة والقولون والانتفاخ

ألم الرقبة والكتفين نتيجة الشد العضلي

ضيق أو ثقل في الصدر دون مشكلة بالقلب

خدر أو وخز في الأطراف

تسارع ضربات القلب

إرهاق مستمر رغم الراحة

اضطرابات النوم والشهية

هذه الأعراض ليست وهماً ولا مبالغة. إنها نتيجة مباشرة لتحوّل الضغط النفسي إلى استجابة جسدية.

لماذا تحدث؟

عندما يتعرض الإنسان لتوتر مستمر، يرسل العقل إشارات للجسم ليبقى في “وضع التأهب”، فيرتفع الأدرينالين والكورتيزول، وتتوتر العضلات، ويتباطأ الهضم. فتظهر الأعراض كما لو كانت مرضاً عضوياً خالصاً.

أهمية إدراكها

إنكار الجانب النفسي يدخل المريض في دوّامة من التحاليل والفحوصات. بينما الاعتراف بأن الألم نفسجسدي يساعد على اختيار العلاج الصحيح: تنظيم الانفعالات، تحسين جودة الحياة، والعلاج النفسي عند الحاجة.

كيف نميّز ونحمي أنفسنا؟

الاستماع للجسد كما نستمع لصديق مقرّب

ملاحظة ارتباط الأعراض بالمواقف الضاغطة

طلب تقييم نفسي عند استمرار الألم رغم سلامة الفحوصات

الاعتماد على تقنيات الاسترخاء وتنظيم التنفس

إعطاء مساحة للمشاعر بدلاً من كبتها

الحصول على دعم متخصص عند الحاجة

في النهاية

ليس المهم أن نسأل: “هل هو ألم نفسي أم جسدي؟”

بل أن ندرك أن الاثنين وجهان لعملة واحدة، وأن الإنسان لا يتجزأ.

فعندما نعتني بنفوسنا تلتئم أجسادنا أيضاً.ما لا تتحمله النفس يصرخ به الجسد


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading