مقالات ووجهات نظر

الوعي العاطفي والنفسي رحلة داخل الذات البشرية..

د/ ندى المرشدى

في عالمٍ يموج بالسرعة والضغوطات اليومية، يظلّ الإنسان في معركة خفية مع ذاته، بين مشاعره وأفكاره، بين ما يشعر به وما يُفترض أن يظهره. في هذا الصخب، يبرز مفهوم الوعي العاطفي والنفسي كأحد أهم مفاتيح التوازن النفسي والاتزان الداخلي، وهو المفهوم الذي ينظر إليه المعالج النفسي لا باعتباره رفاهية عقلية، بل ضرورة وجودية.

ما هو الوعي العاطفي والنفسي؟

الوعي العاطفي هو القدرة على التعرف على المشاعر وتحديدها وفهم أسبابها وتأثيرها على السلوك. أما الوعي النفسي، فهو إدراك أعمق يشمل الانتباه إلى الأفكار، المعتقدات، والدوافع اللاواعية التي تُشكل قراراتنا وانفعالاتنا اليومية. ومن منظور علاجي، فإن بناء هذا الوعي لا يكون لحظة عابرة بل رحلة تبدأ من الاستبصار وتنتهي إلى التغيير.

المعالج النفسي: مرآة لا تحكم

عندما يجلس الإنسان في حضرة معالج نفسي، لا يُطلب منه أن يكون قويًا أو مثاليًا، بل أن يكون صادقًا. المعالج ليس قاضيًا بل مرآة تعكس بصدق ما يدور في الداخل. من خلال الحوار، يبدأ الفرد في فك عقد مشاعره، وغالبًا ما يكتشف أن الألم الذي يحمله لا يأتي فقط من الخارج، بل من تفسيره الذاتي له.

لماذا نفتقد الوعي العاطفي؟
الطفولة، التنشئة، الصدمات، والكبت المجتمعي تلعب دورًا كبيرًا في تشويه علاقتنا بمشاعرنا. كثيرون تربوا على إنكار الحزن، كبت الغضب، والخوف من البوح. مثل ما نربي الولد على الجملة الشهيرة (الراجل مبيعيطش) وكأنه ليس بطفل يتعلم كيف تكون المشاعر أو كأن الرجل ليس إنسان. هذه الميكانيزمات الدفاعية تمنعنا من الاعتراف بما نشعر، فتتراكم المشاعر وتتحول إلى قلق أو اكتئاب أو اضطراب في العلاقات.

أثر الوعي على الصحة النفسية….

الوعي العاطفي لا يُعالج فقط، بل يقي. الشخص الواعي بمشاعره يكون أكثر قدرة على تنظيم انفعالاته، التعاطف مع ذاته والآخر، واتخاذ قرارات نابعة من بصيرة لا من رد فعل لحظي. كما يُساعد الوعي على كسر أنماط التكرار في العلاقات المؤذية، ويمنح الشخص شجاعة أن يختار ذاته دون شعور بالذنب.

الوعي ليس ضعفًا، بل قوة……

كثيرون يظنون أن البوح بالمشاعر ضعف، لكن من يجلس في جلسة علاج نفسي ويواجه ذاته، يدرك أن الشجاعة الحقيقية ليست في الصمت، بل في النطق الصادق. الوعي العاطفي لا يُقلل من الكرامة، بل يعيد للإنسان إنسانيته…..

من منظور المعالج النفسي، الوعي العاطفي والنفسي ليس هدفًا في ذاته، بل بوابة نحو التحرر. هو اعتراف بأننا بشر، نشعر ونتألم ونشتاق ونخاف، وأن الاعتراف بذلك لا ينتقص منّا، بل يشفينا.

إنها دعوة لنتصالح مع مشاعرنا، لا نخجل منها، بل نحتضنها. فكل وعي نصل إليه، هو خطوة نحو حياة أصدق، أهدأ، وأكثر اتزانًا…..
الوعي العاطفي يعيد ألينا سلطتنا الداخلية .يجعلنا لا نُساق بردود فعلنا .بل نختار كيف نرد .وهذا في حد ذاته تحرر فالنضج النفسي لا يعني كبت العاطفة بل القدرة على إدارتها دون أن تفقدك ذاتك ….


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. المقال ده بصراحة روعة أثر جداً فيا ونبهني لحاجات كتير جوايا
    شكراً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading