اخبار المحافظات

معـروف التــمــــــر لفـتــــــــــــوح

معـروف التــمــــــر لفـتــــــــــــوح

معـروف التــمــــــر لفـتــــــــــــوح

بقلم الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون – ستراسبورغ فرنسا

معـروف التــمــــــر لفـتــــــــــــوح

من عادات وتقاليد متليلي الشعانبة ولاية غرداية جنوب الجزائر

أولى طبعة المعاريف (الصدقات) في بدايتها لموسم غلة 1446هـ/2024م

مقدمة :

المعروف ( الصدقة ) بعد حضاري وتأصيل للموروث الجزائري بمتليلي الشعانبة

من الموروث الشعبي الثقافي المحافظ عليه والمتوارث من جيل لجيل, العادات والتقاليد التي مازالت راسخة في متليلي الشعانبة بولاية غرداية جنوب الجزائر تؤكد على التمسك بالهوية الوطنية والقومية الإسلامية العربية والتراث.

يعتبر المجتمع المتليلي الشعانبي خاصة كغيره من مجتمعات الشعوب التي لها عادات وتقاليد وطقوس وأعراف راسخة. وقيم دينية روحانية وإجتماعية، ينشأ عليها كل فرد من أفراد المجتمع منذ ولادته ويحرص على التمسك بها لأنها تلبى حاجة الفرد والجماعة التي ينتمي إليها، والمجتمع الشعانبي أحد هذه المجتمعات التي تولى هذه الأعراف والتقاليد أهمية قصوى، لأنها تسهم في تماسك ووحدة المجتمع ولا يمكن الإستغناء عنها، كما أنها من المفاخر التي يعتز بها أفرادا وجماعات.

فهي مجموعة تعتادها كل أمة وتتخذها منهاجاً للسير عليها, فيرون أنفسهم فيها ملزمين بإتباعها وتطبيقها بحذافرها, ويرون الخروج عليها والتخلي عنها والتفريط فيها, خطاً يثير الإستياء والغصب وقد يوجب العقوبة لمن يخالفه.

ولكل مجتمع خصوصيته المتميزة التي تنبع من روافد عدة يتشكل عليها الكثير من العادات والتقاليد والأعراف لتصبح جزءاً لا يتجزأ من كيان المجتمع ونسيجه الخاص.

يشكّل التراث الثقافي، ما خلفه الأنسان من إرث مادي ومعرفي، تراكم عبر الزمان وقادر على البقاء متى تم الحفاظ عليه وإدراك أهميته وقيمه المختلفة جيلا بعد جيل. والتراث الثقافي بمفهومة الواسع يمثل الذاكرة الشعبية الحية للفرد والمجتمع، وهو الذي يحفظ لهما الهوية والإنتماء. وهو الركيزة التي ترتكز عليها الأمة في بناء نهضتها، والجذور التاريخية العريقة التي تشكل استمرار وجودها وتفردها وأصالتها هو المنبع الحيوي لإلهام مفكريها ومثقفيها ومبدعيها، يستقون منه ابداعاتهم التي تربطهم بماضيهم وتعزز حضورهم في الساحة الثقافية الدولية. فهو روحها المتنقلة في وجدان أفرادها وذاكرتهم وسلوكهم، وما أعتادوا عليه مما توارثته الأمة عبر أجيال وعصور، تعبيرا عن حياتها.

وللتراث قيمته وأهميته المميزة التي لا تخطئها عين ولا يتفاداها وعي، فبالإضافة إلى كونه يتصل بشخصية الأمة أو المجتمع، ويعطيها الطابع المميز، كما يحدد مستواها في الذوق، والحس الإبداعي، ودرجة تقدمها، فإنه يخدم قضاياها الوطنية، فيعززها ويعمق الهوية والانتماء لدى شعبها. وقد يكون ذلك عن طريق الاهتمام به، والعمل على تسجيله وتوثيقه والحفاظ عليه وإحيائه وهو ما يمكن أن ينعكس على حاضر الأمة وسلوكيات أفرادها.

العادات والتقاليد الراسخة:

ومن تلك العادات نجد ما يسمى بـالمعروف أو اللمة أو الوعده، وهي عبارة عن لقاء سنوي يقام تخليدا لمناقب بعض الأولياء الصالحين، يجتمع فيه مريدوهم وأحفادهم ومحبوهم، من أجل المشاركة في قراءة القرآن والأدعية والمدائح وإطعام الطعام وصلة الأرحام، وتقام على هامش هذه اللقاءات بهذه المناسبة توزيع الصدقات بما يعرف بالمعروف. ومن هاته العادة بمتليلي الشعانبة بولاية غرداية جنوب الجزائر نجد عادة معروف التمر الفتوح السنوي مطلع كل خريف.

معروف التمر ( لفتوح بسيدي سليمان):

بقام معروف التمر لفتوح بمسجد سيدي سليمان بحي العرمة بمتليلي الشعانبة بحاظور بولاية غرداية بالجنوب الجزائري. والفتوح معروف التمر هو العادة الشعبية المتجذرة والمتوارثة أبا عن جد ومن جيل لجيل على مدار الأعوام من سنين عديدة.

إنطلقت فعاليات عادة الفتوح السنوية بمسجد سيدي سليمان بحي العرمة بحاظور المسمى على الولي الصالح سيدي سليمان بوسماحة ( إبن أبي سماحة) رحمه الله وطيب تراه, ككل سنة تقام وعدة وصدقة التمور بحضور جمع غفير وإشراف المقدم العم الحاج قدور بحصية حفظه الله ورعاه.

إذ بعد المغرب وبتوافد المحسنين الخيرين بخيرات غلة تمورهم المتنوعة كصدقة لمنتوجهم من أنواع التمور إضافة إلى خبز و فواكه وغيره من حلويات.

وفي جو إيماني روحاني بحضور الأئمة وأهل القرآن وخاصيته وطلبته شرع في قراءة السلكة (قراءة القرآن كاملا مرة ومرات) وبعد الختمات لكتاب الله وتناول وجب العشاء (صدقة السنة) تتواصل السهرة في جلسة ذكر صوفية روحانية على طريق مهج السلف من المشايخ والمريدين و محبي السماع الصوفي.

نبذة من معروف التمر والخبر ( لفتوح)

بإفتتاح معروف التمر والخبز والفواكه الموسمية من منتوج المنطقة وهيرات بساتنهم و غاباتهم. وهي أولى الصدقات ( لفتوح ) ويعني بمفهوم المنطقة من عاداتها وتقاليدها إفتتاح العادة السنوية التي تعرفها المدينة بداية كل خريف من السنة .

إذ يجتمع الأهالي من مشايخ ومريدي الطريقة الصوفي وشيوخ كبار وصغار ويلتقي الجميع غني و فقير ميسور و معسر, في حلقة جلسات تلاوة و ذكر بالحي المختار المتفق على اللقاء به ومنه تنطلق الصدقات.

إذ يقوم الوافدون خاصة الفلاحين و المزارعين بإحضار حصة من غلة التمور من نوع الغرس – أزرة- ادلالة- بنت خبالة- تيمجوت و حماية و غيرهم, والخبز وبعض الفواكه لمن إستطاع. كون الوقت يصادف بداية جني على التمور بكل أنواعه و أصنافه وتكون هاته الحصة كصدقة جارية حسب عرف عادات و تقاليد أهالي المدينة منذ القدم وموروثهم الثقافي الإجتماعي المتداول و المحافظ عليه .

وكانت هاته العادة في القديم تجمع بين البدو الرحل الوافدين ضيوف على المدنية والأهالي القاطنين بالمنطقة. إذ يحل البدو من سفرهم كل خريف ببساتينهم لقطع وجني غلة التمور والتزود بالمؤونة مما يحتاجونه في مدة سفرهم وإقامتهم عند ترحالهم من مكان إلى أخر عبر الصحراء و فيافيها.

وبإستعدادهم للسفر وفي جو توديعهم يجتمعون بعمالهم وأهاليهم وسكان المنطقة من فقراء وعابري السبيل في حلقة ذكر وموعظة وتوصيات ونصائح وإرشادات. والتي توزع فيها الصدقات من الغلة على الفقراء والمساكين والعشور يعني عشر الغلة وتسليم حصة الوقف للمساجد وللجهات المعنية.والتي تخرج منها نصيب الوقف لجنان المساجد لكي توزع على مستحقيها بمعرفتهم والتي عاصرنها في وقتنا بالسبعينات في خزائن المسجد العتيق بالقصر القديم كما يعرف بالعامية (بالباقو) قرب مسكن العم المغفور لها بإذن الله نشيو الحاج محمد رحمة الله عليه. وهي عادة الهدف منها إجتماعي إقتصادي خيري إنساني, لأجل تفقد أحوال الناس المادية خاصة الفقراء والمحتاجين المعسرين وإنشغالاتهم و فرحة اللقاء والإجتماع بالغائبين العائدين.

وبإكتمال الحلقة وتلاوة الختمات ما تسير من القرآن الكريم جماعة (قراءة الختمة بما يعرف بالسكلة على أجزاء من طرف المقرئين الحاضرين) وبعدها قرأة الأذكار التي يتغنى بها شيوخنا وأبنائنا من محبي الذكر, كل ولحنه وصيغته المحببة إليه والتي يجد راحته النفسية والجسدية فيها في جو روحاني. ورغم إنصراف الجمع إلا أن كبار الشيوخ من الكهول المسنين يبقون مستمرين في حلقات الذكر إلى ساعة متأخرة من منتصف الليل في جو روحاني مفعم بالإيمان.

وحسب كبار المنطقة ممن عايشوا تلك المواقف لهاته العادات فإنها تعود إلى سنة 1875م, كما أخبر العم الحاج معروف المدعو الرئيس من كبار معمري متليلي رحمه الله. من الوقت الذي عاصروها فيه وعاشوا أيامها وأخبروا بها الموسم. للحاضرين بعين المكان, والتي تواصلت وتوارثتها الأجيال أبا عن جدا، جيل بعد جيل عصر بعد عصر والتي زادته تمسك و تشبت بها وقت العسر لتفقد أحوال الناس خاصة في ظل الإحتلال الفرنسي وظروف المعيشة المعسرة يومها. والتي عاصرنا بدورنا نحن جيل الستينات والسبعينات في عدة أماكن منها بالسوق بالقصر القديم وسط المدينة- بدار سيدي مولاي عبد القادر بالواد– سيدي مولاي سليمان بحفرة سالمة – بزاوية سيدي الشيخ وغيرهم. عبر أرجاء المدينة و أحيائها. والتي كانت لها نكهة وفرحة وبهجة خاصة في حلول الخريف وبداية تنوع التمور وتواصلها على مدار السنة من مكان إلى أخر طوال السنوات التي عاصرنها في شبابنا.

وهي الذكريات التي بقيت عالقة في أذهانا خاصة ونحن نستمع إلى تلك الأصوات الصادحة بذكر الله منهم العم حسيني سيدي البغدادي – ثامر لعور -قاسمي محمد القليل -الحاج أحمد نعيوة وغيرهم, ونحن ننتظر دورنا لإستلام نصيبنا من التمر و الخبز من أيدي كل من العم عاشور الحاج مبارك – سلامات جلول بن الساسي – هينانة الحاج أمحمد بوعود- بامون الحاج عبد القادر – سي مولاي أمحمد –وباقي الشيوخ رحمة الله عليهم جميعا وطيب تراهم ونور قبرهم وأسكنهم فسيح جناتهم

كانت هاته نبذة عن معروف لفتوح التمر و الخبر لموسم سنة 1446هـ/2024م وإطلالة بسيطة تعريفية لطلبتنا لأجل التدوين وتعمق البحوث والتدوين للحفاظ على الموروث وإحياء العادة والتقاليد حفظكم الله شبابنا المفدى .

 

معـروف التــمــــــر لفـتــــــــــــوح


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة