
مقال × حدوته
مقال × حدوته اللؤلؤ هل صادفْت يومًا إنسانًا خلّاك تُعيد التفكير في كل حاجة كنت فاكرها مفهومة؟
وأنت صغير أكيد شوفت أغنياء بيسجدوا وبيصلّوا، وقلت في نفسك:
«دول بيطلبوا إيه؟! .. مش معاهم كل حاجة؟»
كنت أظن إن العبادة طريق الفقير عشان يطلب الرزق مش طريق الغني عشان يحافظ على راحته.
لكن لما كبرت، اكتشفت إن الإيمان مالوش علاقة بكام عندك، ولا بعدد عربياتك أو فدادينك.
بس برضه كان جوايا حتة إستغراب صغيرة .. ليه اللي عاش في الرفاهية لسه بيتمسّك بالعادات والتقاليد وبيخاف ربنا ؟.
لحد ما سمعت الحكاية دي .. واللي خلتني أفهم معنى “اللؤلؤ” الحقيقي.
كانت فتاة عندها 18 سنة، من عيلة كبيرة وثرية، تربّت على النعمة والرقيّ.
أتقدم لها راجل في منتصف الثلاثينات، محترم وهادي، بس أكبر منها بكتير.
الزواج تم بسرعة بقرار من الأسرة، ومن غير قصة حب أو حتى توافق فكري.
وفي الشهور الأولى كانت العلاقة بينهما متوترة .. مش بس عشان فرق السن لكن كمان عشان مفيش رابط عاطفي حقيقي بينهما.
ومع الوقت أكتشف الأطباء إن الزوج مصاب بمرض السرطان، وكان في مرحلة متقدمة.
وهنا بدأ الامتحان
كل الظروف كانت بتقول إنها هتمشي .. لا بتحبه، ولا بينهما أولاد، ولا محتاجة منه حاجة .. هي عندها عيلتها، وفلوسها، ومكانتها… يعني باختصار «مش ناقصاها أى شىء».
لكنها ما سابتوش.
ولا تخلّت عنه.
درست تمريض مخصوص عشان تعرف ترعاه بنفسها وقت ما الكل كان بيخاف من العدوى أيام «كورونا».
كانت بتبات جنبه في المستشفى، تمسح عرقه وتطمنه، وتقول له:
«هتخفّ، إن شاء الله ربنا كبير».
مش لأن بينهما حب .. لكن لأن جواها أصل.
جواها تربية بتقول: اللي اتربّى على الوفاء، ما يعرفش يسيب وقت الشدة.
وهنا بقى لازم نوقف لحظة ونسأل نفسنا:
فين النماذج دي النهارده ؟! .
بقينا نشوف ستات بتسيب جوزها لمجرد إنه تعسر شوية في شغله، أو تعب يومين، أو حتى عشان معاش والدها أكبر من مرتبه!
في واحدة ممكن تهدم بيت وتكسر عشرة عمر عشان «حساب بنكي» أو «مصلحة»!
وبقت كلمة «معلش هو نصيبه» أسهل من كلمة «أنا هقف معاه».
بس بطلتنا دي كانت إستثناء .. ما حسبتهاش بالعقل ولا بالورق حسبتها بالضمير.
اختارت تمشي ضد الموج .. تثبت إن الغِنى الحقيقي مش في الفلوس، لكن في الأخلاق.
ليه أنا بحكي حكايتها؟ .. لأنها كانت ممكن بكل بساطة تبيعه وتقول:
«أنا عندي مالي وأهلي .. إيه اللي يجبرني أعيش مع واحد في عداد الأموات؟»
لكنها ما عملتش كده.
لأن الأصل مش بيتباع، والإيمان مش بيتقاس بالفقر أو الغنى.
في ناس جواهم معدن نادر .. كل ما الدنيا تختبرهم، يلمعوا أكتر.
زي اللؤلؤ تمامًا .. ما يصدأش، حتى لو غطسته في طين.
اللؤلؤ… لا يصدأ.
بل يزداد لمعانًا كلما غمرته الدموع.
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

