نعمت البدعة هذه
نعمت البدعة هذه
بقلم / محمـــد الدكـــروري
نعمت البدعة هذه
اليوم : الثلاثاء الموافق 10 سبتمبر 2023
الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك رضينا بالله تعالى ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيا ورسولا ثم اما بعد يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ” نعمت البدعة هذه” وهي تسمية لغوية لا شرعية ” وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل إبتداء من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية فكل مالم يدل عليه دليل شرعي، فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على إستحباب فعل، أو إيجابه بعد موته، أو دل عليه مطلقا، ولم يعمل به إلا بعد موته ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فإذا عمل أحد ذلك العمل بعد موته، صح أن يسمى بدعة في اللغة، لأنه عمل مبتدأ، كما أن نفس الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يسمى بدعة.
ويسمى محدثا في اللغة، كما قالت رسل قريش للنجاشي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين إلى الحبشة “إن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم، ولم يدخلوا في دين الملك، وجاءوا بدين محدث لا يعرف ” وأما جمع المصحف ونحوه فهي من باب المصالح المرسلة، لا من قبيل البدعة المحدثة، والمصالح المرسلة قد عمل بمقتضاها السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم، فهي من الأصول الفقهية الثابتة عند أهل الأصول، فحق ما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن له أصلا يشهد له في الجملة، وهو الأمر بتبليغ الشريعة، وذلك لا خلاف فيه لقوله تعالى “يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك” وأمته مثله، وفي الحديث ” ليبلغ الشاهد منكم الغائب” وأشباهه، والتبليغ كما لا يتقيد بكيفية معلومة.
لأنه من قبيل المعقول المعنى، فيصح بأي شيء أمكن من الحفظ والتلقين والكتابة وغيرها، كذلك لا يتقيد حفظه عن التحريف والزيغ بكيفية دون أخرى، إذا لم يعد على الأصل بالإبطال كمسألة المصحف، ولذلك أجمع عليه السلف الصالح، وأما ما سوى المصحف فالأمر فيه أسهل، فقد ثبت في السنة كتابة العلم، ففي الصحيح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “اكتبوا لأبي شاه” وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال ” ليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب” وذكر آهل السير أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب يكتبون له الوحي وغيره.
منهم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة وأبي بن كعب، وزيد ابن ثابت، وغيرهم، وأيضا فإن الكتابة من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به إذا تعين لضعف الحفظ وخوف إندراس العلم كما خيف دروسه حينئذ، وهو الذي نبه عليه اللخمي فيما تقدم، وإنما كره المتقدمون كتب العلم لأمر آخر لا لكونه بدعة، فكل من سمى كتب العلم بدعة فإما متجوز، وإما غير عارف بوضع لفظ البدعة، فلا يصح الإستدلال بهذه الأشياء على صحة العمل بالبدع، وإن تعلق بما ورد من الخلاف في المصالح المرسلة، وأن البناء عليها غير صحيح عند جماعة من الأصوليين فالحجة عليهم إجماع الصحابة على المصحف والرجوع إليه، وإذا ثبت إعتبارها في صورة ثبت إعتبارها مطلقا، ولا يبقى بين المختلفين نزاع إلا في الفروع.
نعمت البدعة هذه
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.