
هل تتفاقَم مخاطر الذَكاء الاصطناعي خِلال عام 2026م؟
هل تتفاقَم مخاطر الذَكاء الاصطناعي خِلال عام 2026م؟ أشار أ.د. خالد صلاح الدين الأستاذ بكلية الإعلام والمدير الأسبق لمركز بحوث ودراسات الرأي العام بجامعة القاهرة
إلى أن الشهور الأخيرة من عام 2025م قد شهدت جدلًا عريضًا حول تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي
وقد انطوى هذا الجدل على نمطين من الأطروحات الأولى تتسم بالتفاؤل والثانية تتسم بالمخاوف المتزايدة في ظل غياب الشفافية
بشأن برامج تطوير أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بالعديد من دول العالم
ويزعم أنصار الذكاء الاصطناعي بأن تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التي تسهم في تمكين البشر من البيئات المحيطة
وبخاصة بيئات الإنتاج والتطوير وإنجاز المهام الصعبة في إطار ثلاثية توفير الوقت والجهد والتكلفة
سيجعل الذكاء الاصطناعي تاريخيًا بمثابة الإنجاز الأعظم لحضارتنا المعاصرة
وعلى الرغم من الطرح السابق فإن الكثيرين من خبراء التقنيات ومراقبي حقل الذكاء الاصطناعي
واستخداماته المختلفة قد أبدوا سخرية ساخطة على أن مطوري نماذج تطبيقات الذكاء الاصطناعي
لا يستطيعون التعبير بدقة عن ماهية عملهم وآليات تطويرهم لمجالات الذكاء الاصطناعي
مما يزيد الغموض حول تلك التقنيات والتطبيقات ويعضد غياب الشفافية بشأنها على الرغم من خطورتها البالغة
على المجتمع حال استخدامها في مجالات تضر بالمجتمع أو الأفراد أو الجماعات الاجتماعية
وفي إطار المخاوف من تطبيقات الذكاء الاصطناعي يؤكد أرباب المشروعات الضخمة وكذلك المهتمين والمعنيين
بتتبع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات الاقتصادية والإنتاجية والصحية والطبية والإعلامية والاتصالية
على أن النماذج المتطورة والمدفوعة بمرجعية الذكاء الاصطناعي بالغة الثراء والاحترافية
ستوفر خلال السنوات القليلة القادمة نحو 170 فرصة عمل في البيئة الرقمية العريضة والممتدة
إلا أنها وهو المثير للتهكم ستقضي على نحو 300 مليون وظيفة تقليدية على المستوى العالمي
وقد امتدت المخاوف إلى حقلي الصحة والطب وبخاصة في ظل غياب أخلاقيات توظيف الذكاء الاصطناعي في هذين المجالين
ليطفو على السطح الخوف من عودة برامج الاستنساخ والتلاعب بالشريط الوراثي
وتيسير عمليات الإجهاض ونشر الأوبئة والفيروسات الخطيرة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية
كما يؤكد خبراء التقنيات على أن نماذج الذكاء الاصطناعي المعقدة والمتشابكة تعتمد في جوهرها على الخوارزميات
وتلك الأخيرة يضطلع ببنائها وصياغتها وتحديد أنماط تشابكها ووظائفها العامة والمحددة والدقيقة عناصر بشرية
والأمر الذي لا ريب فيه أن تلك الكوادر البشرية لديها تحيزات اجتماعية وثقافية وأيديولوجية
مما يجعل تطبيقات الذكاء الاصطناعي مرتعًا للتحيز
وقد برز ذلك جليًا في خوارزميات شبكة إكس تويتر سابقًا التي كانت تمنع التغريدات المؤيدة لغزة
والتي تندد بالعدوان الإسرائيلي على القطاع وتصفه بالعدوان الغاشم أو تصف ما يحدث في غزة بالإبادة الجماعية أو المأساة الإنسانية
وقد شهد عاما 2024م و2025م توليدًا للعديد من القصص الخبرية المضللة من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي
القائمة على توليد الأفكار والمعاني والنصوص التي أضحت تهدد مصداقية الإعلام وتضر ببيئة تبادل المعلومات والأخبار الصادقة
وعلى مستوى الإعلام الرقمي فقد انتقد خبراء التقنيات والإعلام الرقمي الشبكات الاجتماعية وبخاصة تيك توك
لكون خوارزمياتها لم تتمكن من تنقية واستبعاد الزخم الهائل من الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة المتداولة على تلك الشبكة أو المنصة المصورة
كما شهد عام 2025م اعتماد بعض الفضائيات الإخبارية العربية والموجهة بالعربية لتقنيات الذكاء الاصطناعي
في توليد قصص خبرية مشوهة ومتحيزة حول الصراع في سوريا والحرب الروسية الأوكرانية والصراع الدموي في السودان
وقد أبدى الخبراء والمراقبون مخاوفهم الجمة من تطوير النماذج بالغة التعقيد والدقة
والتي تمنح الآلة قدرات عالية على المباغتة والمراوغة والوصول لأهدافها
وينصب الطرح في هذا الصدد على الأسلحة الذكية مثل الطائرات المقاتلة بلا طيار الدرون
والصواريخ الذكية والقنابل بالغة الدقة وغيرها
ويخشى أولئك الخبراء والمراقبون من أن تصل تلك الأسلحة الذكية والفتاكة
لأيدي الجماعات الإرهابية بما يضر حتمًا بالأمن والسلم العالميين
وعلى الرغم من أن السنوات المبكرة من العقد الأول من الألفية الثالثة
قد شهدت اهتمامًا بالغًا بخطورة تطبيقات الذكاء الاصطناعي على الخصوصية
إلا أن هذا الطرح قد تراجع نسبيًا أمام المخاطر المرتبطة بالصراعات الدموية
وأنماط الهجوم السيبراني من قبل الجماعات الإرهابية على البنوك والمفاعلات النووية
والشبكات الاتصالية في الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا الاتحادية
كما يثير بعض الباحثين أطروحات تتعلق بالآثار السلبية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي
على الصحة النفسية لمستخدمي تلك التطبيقات والتي تتمثل في التوحد والاتكالية والاكتئاب والقلق المرضي
كما يمتد الأمر للآثار الاجتماعية السلبية وعلى رأسها الانعزالية
ويؤكد هؤلاء الباحثون أنفسهم على أن الاعتماد المتزايد وغير المقنن والمفرط لتقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي
سيجعل الأفراد عبر الزمن عبيدًا وأسرى لتلك التقنيات والتطبيقات الذكية
وملاك الأمر فإن المخاوف من تفاقم مخاطر تطبيقات الذكاء الاصطناعي على المجتمعات خلال عام 2026م
هي مجرد أطروحات تتسم في بعضها بالتجريد بيد أنها في الوقت ذاته تتطلب اهتمامًا ومراقبة وتعاونًا دوليًا
ولعل الاتجاه العالمي بأن تكون ثمة اتفاقية دولية بشأن تنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي
وعمليات تطويره عبر الخوارزميات المعينة لتكون بدورها ضمانًا بألا تجنح تلك التطبيقات
للإضرار بالمقدرات المادية والمعنوية لدول العالم المختلفة سواء المتقدمة منها أم الأقل نموًا
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

