
“يَرحلون.. ويَبقى الأثَر “
“يَرحلون.. ويَبقى الأثَر “
في زحمة الأيام، قد يغيب الجسد، لكن الذكرى تظل نبضًا لا يهدأ.
أحدهم ترك فينا فراغًا يشبه ظلًّا لا يختفي، وآخر غادر محطة الحياة تاركًا خلفه صوت ضحكة، أو حكمة، أو حنينًا لا يُنسى.
المكان أصبح خاليًا، لكن القلب ما زال ممتلئًا بكم.
أيها الراحلون الغائبون الحاضرون فينا… يقتلني الحنين
الحنين.. ذاكرة النفس ومحاولة الاتزان :
الفقد لا يحدث في لحظة الغياب فحسب، بل هو تجربة نفسية متجددة تعيد تشكيلنا من الداخل.
إنه امتحان لقدرتنا على التكيّف مع غياب من شكّلوا جزءًا من ذواتنا.
وفي علم النفس، يُعد الحنين استجابةً عاطفيةً طبيعية تحاول النفس من خلالها استعادة توازنها بعد فقدٍ مؤلم.
فالذكريات لا تُرهقنا عبثًا، بل تقوم بدورٍ علاجيّ؛ إذ تساعدنا على استيعاب الألم والتعايش مع الواقع الجديد دون إنكار أو رفض .
من الألم إلى الامتنان : نحن لا نتجاوز الفقد، بل نتعلّم كيف نحيا معه.
تتحوّل الذكرى من مصدر وجعٍ إلى مساحة امتنان حين نعيد تفسيرها نفسيًا بطريقةٍ أكثر نضجًا ووعيًا.
ووفقًا للدراسات النفسية، فإن التعبير عن المشاعر بالكتابة أو الحوار الآمن يُسهم في تخفيف التوتر النفسي، ويساعدنا على تحويل الحزن إلى طاقة شفاء داخلية.
حين نمنح أنفسنا الإذن بالبكاء، والحديث، والتذكّر، نمنحها في الوقت ذاته فرصةً للتعافي.
حين يربّي الغياب نضجنا : الفقد يُرغمنا على مواجهة الحياة بعيونٍ أكثر وعيًا، وقلوبٍ أقل اندفاعًا، لكنه في المقابل يمنحنا حسًّا إنسانيًا أعمق.
فمن يذوق ألم الغياب، يصبح أكثر رحمة بالآخرين، وأقل حكمًا عليهم، وأكثر تقديرًا للحظات الصغيرة التي كانت تبدو عادية ذات يوم.
الغياب يصنع فينا حكمة هادئة، تُعلّمنا أن لا نؤجل الحب، ولا نكتم الامتنان، لأننا لا نعلم متى يصبح الوقت “ذكرى”.
ف الحياه قبل الفقد معني وبعده معني مختلف تماما الغياب الذي لا يُلغي الحضور
الرحيل لا يُقصي وجود الأحبة، بل يبدّل شكله فقط.
فمن أحببناهم يعيشون فينا — في سلوكٍ تعلمناه منهم، أو قيمةٍ زرعوها بداخلنا، أو ابتسامةٍ تُشبههم حين نمنحها لغيرنا.
ذلك هو الأثر الذي لا يُمحى، والخلود الإنساني الذي لا يُقاس بالسنوات، بل بما يتركه المرء في قلوب الآخرين.
ان الغياب لا ينهي العلاقه بل يعيد تعريفها داخلنا
فالحب الصادق لا يفنى، بل يتحوّل إلى حضورٍ روحيٍّ يرافقنا بصمت، ويُذكّرنا أن بعض القلوب لا ترحل حقًا ويظل اثرها ممتد.

“يَرحلون.. ويَبقى الأثَر “
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

