نحن لانزرع الخوف
كتبه : محمد سمير خيال
إنها بعض العبارات التي يرددها العديد من الآباء والأمهات متوجهة إلى أبنائهم الصغار بنين أو بنات في مرحلة الطفولة البريئة ظنوا بذلك أنها علاج لمشكلة عدم سماع الأبناء لكلامهم ونصائحهم، أو عندما يتصرّفون بشكل لا يعجب والديهم . لم يتوقف الأمر على الآباء والأمهات فقط بل الجد و الجدة حيث يستمتعون بقص الحكايات الغريبة على الأحفاد الصغار نهاراً حتى ينشغلون عن مضايقة الأم والأب أو ليلاُ حتى تسليهم ويستغرقون في النوم مبكراً بعد حكاية (أمنا الغولة وأبو رجل مسلوخة) ظناً منهم أن أحفادهم تستمتع بهذه الأحاديث المشوقة. ولو كانوا توقفوا عن هذا الأمر واستغلوا مهارتهم هذه لصاروا من أشهر مؤلفي قصص الرعب والخيال العلمي مثل (أجاثا كريستي أو ستيفن كنغ) وأصبح لهم مؤلفات مثل الغابة المسكونة أو الأموات الأحياء أو حتى صاروا مخرجي أفلام رعب مثل دراكولا أو الأناكوندا.
لم يتوقف الأمر على أفراد تلك العائلة الي هيمنت بأساطيرها وحكاياتها الخرافية حتى سيطرت على عقول الأبناء والأحفاد بلا قصد منهم وبلا وعي بل امتد إلى المعلمين والمعلمات في المدارس خلال مرحلة الطفولة والابتدائية البريئة و الذي من المفترض أنهم تربويون يعرفون الآثار النفسية والجسدية والصحية التي تتركها تلك العبارات في عقول ونفوس هؤلاء الصغار. على سبيل المثال: اللي ما عمل الواجب ها حبسه في غرفة الغوريلا. وأيضاً دار التحفيظ أو الكتاتيب تسمع مثلاً اللي ما حفظ القرآن ها حبسه في حجرة الفئران .
إن التربية على الخوف والترهيب ليست حلاً، بل هي استسهال. فمن السهل أن تخيف طفلا لكي لا يقترب من شيء ما أو لا يأتي فعلا معيناُ، لن يحتاج الأمر أن تتم معالجته بهذا الشكل السيء وهذه الطريقة الرجعية تجنباً لحدوث مضرة واقعة على هؤلاء الصغار. على سبيل المثال:
هل علاج المضرة الواقعة على صحة الصغار من قضم أظافرهم بأن ننسج لهم قصة في خيالهم بأن ابتلاعهم الأظافر ستنمو بعدها في بطونهم لتصبح مثل قرون حيوان لتشق بطونهن وتقطع أمعائهم إنه أمر فائق للخيال يا سادة ، واذا كان هذا الكلام يخرج من بعض الناس لجهلها فلنعذرهم ونوعيهم لكن ما بالك أن تجد هذا الكلام يخرج من المتعلمين والمتدينين الذين يعرفون كتاب ربهم ويفعلون بعض الأمور ظناً منهم أنها تنشئة دينية على سبيل المثال: تجد الكبار من الآباء والأمهات والأجداد يتوعدون الصغار بأن الذي لا يحفظ القرآن سيصاحبه العفريت، و البنات التي لا ترتدي الحجاب ستشد من شعورهن أو من يكذب سيقطع لسانه وينزف دم أو من لا يصلي سيحرق في النار ومن لا يصوم سيأكل الشوك ويشرب الزيت المغلي كل ذلك يتلقاه الصغار الغير مكلفين الذي وصانا عليهم النبي ﷺ في الصلاة التي هي عماد الدين بأن نعلمهم في سبع ولا نضربهم حتى لا يكرهون هذا الأمر.
أما عن أضرار استخدام أسلوب تخويف الأطفال منها التبوّل اللاإرادي ، الرجفان في القلب ، التأثير المباشر على الذاكرة ، مشاكل في الجهاز الهضمي ، التوتر العصبي ، نوبات الفزع ، العدوانية والعناد ، التفكّك الأسري ، الهروب من الواقع .
البديل هو أن نأخذ احتياطاتنا اللازمة ونقوم بالتدابير الآمنة التي من شأنها أن توفر محيطا آمنا للطفل، أما تحويل الخيال إلى كابوس والحياة إلى سجن والجميل إلى قبيح، وإعطاء المفردات التي يتعلمها الطفل لأول مرة، حمولة معنوية ودلالات مخيفة، فليس هو الحل.
الجميع ينتبه إن عقل الصغار مثل الأرض وكلماتكم كالبذور التي تضعوها فيها وكما شئتم ازرعوا تينا ًشوكيا أو ورداً عطريا ولتأخذوا في الاعتبار بأن هذا سينعكس عليكم وعلى ما حولكم في مجتمعكم، أوقفوا التخويف وقولوا ( نحن لانزرع الخوف ).
نحن لانزرع الخوف
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.