الدكروري يكتب الحية تهمس في أذن حواء
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الدكروري يكتب الحية تهمس في أذن حواء
لقد ذكرت بعض الروايات أن الحية كانت أحد الأسباب في خروج آدم وحواء من الجنة، ولكن كيف أسقطت الحية حواء؟ وهو أنها همست في أذنها بكلمات مداهنة معسولة عن شجرة جميلة وثمرة حلوة وإدراك واتساع كالله في معرفة الخير والشر، فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت آدم أيضا معها فأكل فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر، لأن كل واحد يجرب اذا انجذب وانخدع من شهوته ثم الشهوة اذا حبلت تلد خطية والخطية اذا كملت تنتج موتا، بذا قال نبي الله يعقوب وقد سار وراءه، وقيل أنه كان خطأ أم البشر حواء أنها أصاخت الأذن، فنظرت فاشتهت فمدت يدها وأثمت.
وكان يجمل بها أن تفزع وتهرب، وكان عقابها أشد من عقاب آدم لا لأنها أسبق في التعدي فحسب، بل لأنها قادته إليه، وإنه لم يكن العقاب هو المرحلة النهائية الأخيرة في قصة أم البشر حواء، ووراءها تلك المحبة السرمدية العلية، التي سبقت فأعدت خلاصها، وخلاص بنيها قبل تأسيس العالم، في نسلها العظيم الذي يسحق رأس الحية فيما بعد، وهذه المحبة التي طوقتها بالحنان والعطف والجود غداة السقوط فصنعت لها ولزوجها أقمصة من جلد وألبستهما لتغطي عريهما، ولقد أدركت حواء بعد سقوطها أنها خدعت فتقول “الحية غرتني” ومن ثم كانت شديدة اللهفة والشوق إلى مجيء الولد المخلص، فظننته قايين يوم قالت “اقتنيت رجلا من عند الرب” ولما أنجبت هابيل دعته البطل.
ولعلك تدرك أن هذه التسمية لا تمليها إلا نفس شديدة الحساسية بالندم والحزن والتوبة والإدراك بأن “كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم والعالم يمضي وشهوته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد” وقيل “الرب رحيم ورؤوف، طويل الروح وكثير الرحمة لا يحاكم إلى الأبد، ولا يحقد إلى الدهر، لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا، لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض قويت رحمته على خائفية، كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا، كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه لأنه يعرف جبلتنا، يذكر أننا تراب نحن الإنسان مثل العشب أيامه، كزهر الحقل كذلك يزهر لأن ريحا تعبر عليه فلا يكون.
ولا يعرف موضعه بعد، أما رحمة الرب فإلى الدهر والأبد على خائفيه وعدله على بني البنين، لحافظي عهده وذكرى وصاياه ليعملوها” وقد قال الله تعالى في سورة الروم ” ومن آياته أن خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين” وقال الشوكاني عند تفسير هذه الآية، واختلاف ألوانكم من البياض والسواد والحمرة والصفرة والزرقة والخضرة، مع كونكم أولاد رجل واحد وأم واحد، ويجمعكم نوع واحد، وهو الإنسانية، حتى صرتم متميزين في ذات بينكم، لا يلتبس هذا بهذا، بل كل فرد متميز عن غيره، وفي هذا من بديع القدرة ما لا يعلمه إلا العالمون.
الدكروري يكتب الحية تهمس في أذن حواء
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.