
قانون المنتصر يدير العالم
عبر العصور تتم إدارة العالم طبقاً لرؤية من يملك القوة وليس من يملك الحق ، تلك هى الحقيقة المجردة
غير أن تلك الحقيقة تغلف فى الغالب بأغلفة متعددة من إدعاء للإصلاح والديمقراطية وحماية الحريات والقانون الدولى
إن الامثلة كثيرة فى عالمنا القديم والمعاصر ، لم يتجاسر ملك الهكسوس على مخاطبة الفرعون المصرى بمقولتة الشهيرة ( إن أفراس النهر تزعجنا فى الشمال) إلا عندما ظن أنه يمتلك القوة لتلك الغطرسة .
هنا تفهم الفرعون المصرى أن القوة هى السبيل الوحيد لفهم هؤلاء لواقع جديد ، تحرك ومعه أسباب القوة التى أجبرت فى النهاية تلك القبائل الرعوية أن تذعن للقوة الجديدة
وتترك البلاد وتنهزم ، هنا فقط وضع الفرعون المصرى قانونه الجديد وطهر البلاد من شرهم .
وفى مثال معاصر حين ذهب المفاوض المصرى لمحاولة نيل الحقوق بعد نكسة 1967 كان رد المجتمع الدولى أن العالم لا يجيد الاستماع الا للمنتصر
وعليكم تغيير وتحريك الواقع على الارض حتى يسمعكم العالم كانت تلك مقوله حكيمه لعراب السياسة الامريكىية (هنرى كسنجر )
وحين غيرت مصر واقع الأرض بالقوة فى عام 1973 ، هنا فقط سعى العالم أجمع الى حل القضية المعقدة
ونالت مصر كامل أرضها برعاية نفس العالم الذى كان لا يستمع لصالحب الحق.
الفرق الوحيد فى المعادلة أن الجميع وخاصة الدول المنتصرة والتى تملك القوة الصلبة والناعمة تجيد الاستماع الى من يكون شريكا فى فهم واقع العالم وقانون المنتصر .
قانون المنتصر له الكثير من الحقائق لابد من تفهمها حتى يتثنى للدول التعايش معه وأول تلك الحقائق أن المنتصر الأخير والناجح فى قيادة العالم يملك الحق فى صياغة مصالحه بشكل يظهر طبيعى وقانونى،
بل ويقبل العالم تداوله والالتزام به كما حدث فى أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية حيث إحتفظت الدول المنتصرة الخمسة بحقوق لا يملكها غيرهم
مثل حق الفيتو وجعل دول منزوعه السلاح ( المانيا واليابان ..) والبترودولار وغيرها تم صياغتها فى صورة قوانيين غير أنها فى الحقيقة غنائم حرب أقرها المنتصر .
الحقيقة الثانية أن الحق وحده غير كافى لنيل الحقوق لصالح الشعوب انما المناورة بين الممكن والمستحيل هى الحيلة المتبقية لمن لا يملك القوة بالاضافة الى الاذعان لقوانين المنتصر والتحرك بفهم عميق للواقع على الارض .
الحقيقه الثالثة ان المعارضة لقانون المنتصر ومحاولة إظهار حقيقته للعالم يعد درب من نقص الخبرة السياسية ولا يحقق أيه مصالح غير الصدام مع تلك الدول .
الحقيقة الرابعة ان تغيير الواقع ليس بالضرورة ان تملك قوة العالم أجمع ولا خوض الحروب طوال الوقت ولكن تغيير الواقع يحتاج الى إظهار قدرة الدول على الفاعلية فى حيزها الاقليمى ،
هنا فقط سوف تتبى الدول المنتصرة دورك الفعال فى محيطك الاقليمى وايضا ستوظف دورك فى تحقيق مصالحها هنا فقط تظهر القدرة على التحرك بذكاء بين المستحيل والممكن وتحقيق أقصى استفادة ممكنه.
غير أن ذلك ليس بالامر اليسير فى وجود لاعبيين فى كل المناطق فى العالم يتفهمون ضرورة إظهار أنفسهم كفاعلين لمحاولة نيل اكبر المكاسب واقل الخسائر .
الحقيقه الخامسة أن العالم المنتصر لا يقبل فكرة القوة المنفردة وإنما يحترم اكثر التحالفات الاقليمية فهى تعبر عن واقع اقليمى اكثر منها غريم ومنافس خاصة فى تكتلات الدول الصغيرة التى لا تمثل خطراً واضحاً الى مرحلة معينة .
الحقيقة السادسة ان العالم المنتصر لا يقبل فكرة التحدى والندية بقدر ما يقبل فكرة الشراكة فى ضوء قانون المنتصر فقط فيد وإستفيد .
الحقيقة السابعة ان بقاء العالم المنتصر على القمة لاطول فترة ممكنه يتطلب إحباط ظهور قوى موازية او فاعلة مضادة طوال الوقت وبالتالى فى قانون التحالفات المضادة لابد أن تكون التحالفات محسوبة ومدروسة وجميع الابواب مفتوحة فى مواقف متوازنة اساسها تحقيق المصالح وليس العاطفة او التجربة او المثالية فمصائر الشعوب اعلى قيمة من مجرد مشاعر تتحرك بين الصواب والخطأ .
الحقيقة الثامنة يقدر العالم المنتصر اصوات الشعوب اكثر من اصوات الساسة فى تلك البلاد نفسها وهنا أشير الى ضرورة وان تتسق اصوات الشعوب مع اصوات الساسة فى البلاد لغلق ثغرة التدخل والانشقاق ،
حيث تمثل الدول المتجانسة الصلبه تحدياً قويا ًوتخلق واقعاً قادرا على رد الكثير من التحكمات والانتهاكات حيث تمثل درعاً صلباً لحماية الدول وايضاً حماية الساسة أنفسهم من التاثير الخارجى .
الحقيقة التاسعة يقدر العالم المنتصر الدول والكيانات متعددة التاثير التى تمتلك أكثر من طريقة للتاثير ( ثقافى – إقتصادى – سياسي – عسكرى – ايدولوجى -..)
فى محيطها حيث يضعها ضمن خططة المستقبلية فى إمتداد النفوذ والتاثير حيث يكون للدول مساحة أكثر للتحرك والمناورة دون إصتدام .
الحقيقة العاشرة يرى العالم المنتصر أن الدول ذات التاريخ المفعم بدورات القوة الاقليمية والدولية والتى كانت منتصرة وتضع القوانين فى الماضى القريب أنها من أكثر الدول المؤهلة للعودة للمنافسة وبالتالى تكون تلك الدول تحت المجهر طوال الوقت وتكون أكثر الدول المعرضة للمخططات الموجهة للنيل منها .
إن حقيقة العالم ليست مثالية وليست المدينة الفاضلة وعلى الساسة والزعماء أن يدركوا أن السبيل الوحيد للإحترام فى العالم هو سبيل إمتلاك القوة
( وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ) الايه (60) سورة الانفال
ولنيل تلك القوة لابد من السعى المتواصل لامتلاك التأثير الاقليمى والدولى والتماسك الداخلى والخارجى والاتساق الواقعى بين مطالب الشعوب ورؤية الساسة والقادة .
إيضاً التحرك بين الممكن والمستحيل فى ذكاء وقوة وإدراك للواقع الذى نعيشه ، إننى أثمن ذكاء القيادة السياسة المصرية فى التحركات الخارجية والداخلية
وتحقيق التماسك الداخلى والسعى لإظهار التاثير الاقليمى والدولى لبلد كانت تضع قوانين المنتصر لفترات طويلة فى التاريخ .
إننا أمه عظيمة ذات ماضى وحاضر مشرق وواعد تسعى وتتحرك طول الوقت حتى لفتت الانظار اليها فهى الدرع والحامى والمغيث والمدافع عن الحقوق وفى نفس الوقت المتفهمة للواقع المعاصر لذلك يسعى العالم المنتصر الى الاقتراب الحذر منها فتارة يدعم وتارة يقلق وتارة يحرض وتارة يتفاهم معها وبين كل المتناقضات تظل مصر الحصن والعرين تحيا برعاية الله وحفظه وبصلابة أبنائها .
حفظ الله مصر من كل شر وسوء.
قانون المنتصر يدير العالم
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.