مقالات ووجهات نظر

مأساة ظاهرة الثأر فى المجتمع المصرى إلى أين ؟؟

راندا حافظ

 

مأساة ظاهرة الثأر فى المجتمع المصرى إلى أين ؟؟
مأساة ظاهرة الثأر فى المجتمع المصرى إلى أين ؟؟

بقلم أ/ راندا حافظ

بعد الحمد لله و الصلاة و السلام على نبيه ومصطفاه أقول و بالله التوفيق..

إن الله عز وجل شرع لنا القصاص فى الإسلام ولكن بضوابط معينة و عن طريق أُولى الأمر ، فلم يجعل الله سبحانه وتعالى الأمر عشوائياً .. أما أن يتعدى هذا على هذا و يقوم أهل القتيل بقتل أحد من أهل القاتل قد لا يكون له أى ذنب سوى أنه تربطه بالقاتل صلة قرابة ولكنه لم يشارك فى القتل و لا يرغب فى إراقة الدماء مطلقاً فهذا ليس بحلال و غير جائز شرعاً، فنحن نعلم علم اليقين أن النفس البشرية ترغب وتميل إلى الإنتقام ولكن هذا يؤدى للفساد فى المجتمع و نصبح فى غابة كل واحد يريد أخذ حقه من الآخر بيده دون الرجوع للضوابط الشرعية.

ولقد جاء فى الحديث الشريف عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: (ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلَّا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد النَّاس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تُنتَهك حُرْمَة الله فينتقم لله بها) رواه البخارى ومسلم، وذلك الحديث يحث على أن الدماء لا يمكن اراقتها عبثاً و إنما قال النَّوويُّ : (قولها: “إلَّا أن تُنْتَهك حُرْمَة الله” استثناء منقطع، معناه: لكن إذا انتُهِكت حُرْمَة الله، انتصر لله تعالى، وانتقم ممَّن ارتكب ذلك، وفي هذا الحديث الحثُّ على العفو والحِلْم واحتمال الأذى، والانتصار لدين الله تعالى ممَّن فعل محرَّمًا أو نحوه، وفيه أنَّه يُسْتَحبُّ للأئمَّة والقُضَاة وسائر وُلاة الأمور التَّخلُّق بهذا الخُلُق الكريم، فلا ينتقم لنفسه، ولا يهمل حقَّ الله تعالى).

ولقد قال الله عز وجل عن ذلك (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) وقد قيل فى تفسير ذلك أنه إذا قُتل شخص ظلماً، فإن الله جعل لولي أمره سلطة في طلب القصاص أو الدية من القاتل، بشرط ألا يسرف في القتل، أي أن لا يقتل غير القاتل أو يمثل به أو يقتل بغير ما قتل به، لأن الله سينصر ولي المقتول في تحقيق حقه .

وقد مدح الله تعالى أهل العفو والغفران فقال تعالى: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} (الشُّورى: 37).
وقال أبو إسحاق: (ولم يقل هم يقتلون، وفي هذا دليل على أنَّ الانتِقَام قبيح فِعْله على الكِرَام؛ فإنَّهم قالوا: الكريم إذا قَدِر غَفَر، وإذا عثر بمساءة ستر، واللَّئيم إذا ظفر عقر، وإذا أَمِن غَدَر).
وبيَّن الله سبحانه وتعالى أنَّ العفو عن المعتدي -والتَّغاضي عن خطئه- أفضل مِن الانتِقَام منه قال تعالى: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ 28 إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} (المائدة: 28-29). فهابيل كان أقوى وأقدر على الانتِقَام والبطش؛ لكن منعه خوف الله.

وقال ابن القيِّم رحمه الله: (وفي الصَّفح والعفو والحِلْم مِن الحلاوة والطَّمأنينة، والسَّكينة وشرف النَّفس، وعزِّها ورفعتها عن تشفِّيها بالانتِقَام ما ليس شيء منه في المقَابَلة والانتِقَام).

والحديث حول هذا الموضوع يطول ولكن أخيراً نريد توضيح كيف يمكن الحد من هذه الظاهرة ؟؟

_يكون ذلك بالصلح بين الطرفين، وكل صلح اتفق عليه الطرفان فهو جائز ما لم يخالف الشرع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً، والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً. رواه الترمذي وغيره وصححه، ومصداقاً لقول الله عز وجل ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {الحجرات:9}).

– كما أنه لا بد من تكاتف الجهود المبذولة من الدولة و رجال الدين و أهل العلم و الخبرة و كبار العقول في المجتمع للعمل على وأد تلك الظاهرة التى قد تكون سبب فى قتل أُناس أبرياء وليس لهم طموح إلا العيش فى سلام أمان كما قرأنا على مواقع التواصل الاجتماعى فى حادثة الشاب الذى تم قتله على محطة قطار جرجا والذى كان أخر كلامه لشخص معاه حسب ما رواه شاهد عيان ( ادعيلى أقضى خدمتى على خير) فهذا الشاب كان قاصداً السفر لأداء خدمته العسكرية فبأى ذنب تم قتله ؟؟ وما جريمته ؟ وغيرها من الحوادث التى تقشعِّر لها الأبدان.

– لا بد أيضاً من تفعيل لجان فض المنازعات على أرض الواقع و العمل الجاد والفورى على القضاء على ظاهرة الثأر و ترك الأمر للقضاء للفصل فى الأمور، وكذلك يجب توعية المجتمع بعدم المعايرة بين الناس وبعضها و عدم التنمر على أهل القتيل و بث شعور الخزى والعار بداخلهم لعدم أخذهم بالثأر .

والله نسأل أن يوفق العقلاء و الشرفاء و رجال الدين المخلصين الأوفياء و كل مُحب لدينه ووطنه على السعى الجاد للقضاء على هذه الظاهرة .

 

مأساة ظاهرة الثأر فى المجتمع المصرى إلى أين ؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى