راعوث في حقول بوعز
راعوث في حقول بوعز
بقلم/ محمــــد الدكـــروري
راعوث في حقول بوعز
ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن شخصيات وأنبياء بنى إسرائيل، ومن تلك الشخصيات هي راعوث، وقيل أنه قد داومت راعوث على الالتقاط لسنابل القمح والشغير في حقول بوعز بدءا من حصاد الشعير قرابة نيسان وهو شهر ابريل، حتى حصاد الحنطة قرابة حزيران وهو شهر يونيو، وفيما مرت الاسابيع لا شك ان نعمي وهي حماة راعوث فكرت مطولا كيف تساعد كنتها العزيزة، فخلال اقامتهما في موآب، كانت قد قطعت الامل من تزويجها مرة ثانية، أما الآن فاختلف الوضع لذا قالت لكنتها يا ابنتي، ألا اطلب لك مكان راحة؟ لقد جرت العادة في تلك الايام ان يدبر الوالدون رفقاء زواج لأولادهم، وبما ان نعمي اعتبرت راعوث ابنتها، ارادت ان تجد لها مكان راحة.
اي الطمأنينة والحماية اللتين يفترض ان تنعم بهما في بيتها الزوجي، ولكن ماذا كان في طاقة يدها ان تفعل؟ فعندما اتت راعوث على ذكر بوعز لأول مرة، قالت نعمي الرجل ذو قرابة لنا، وهو من اوليائنا، فماذا عنى ذلك؟ وقد تضمنت الشريعة التي اعطاها الله لإسرائيل تدابير حبية للعائلات التي فجعت او افتقرت من غدر الزمان، فكانت المرأة التي تترمل قبل ان تنجب ولدا تمنى بمصيبة كبيرة لأن ذرية زوجها تنقطع فيندثر اسمه مدى الاجيال، الا ان شريعة الله اتاحت لأخي الميت التزوج بأرملة اخيه كي تنجب وريثا يحمل اسم زوجها الميت ويهتم بأملاك العائلة، وقد اوضحت نعمي لكنتها خطتها لإتمام هذا الزواج، ولعل راعوث فغرت فمها من الدهشة فيما راحت تسمع كلام حماتها.
فهي على الارجح لم تكن ملمة بعد بشريعة اسرائيل ولا عهد لها بعاداتها وتقاليدها مع ذلك، دفعها احترامها العميق لنعمي الى الاصغاء بانتباه الى كل كلمة، ومع ان ما اشارت به عليها بدا صعبا او محرجا، وربما مخزيا ايضا، وافقت على كلامها قائلة بتواضع، كل ما قلت لي افعله، واحيانا، يصعب على الذين في سن الشباب العمل بنصيحة الاكبر سنا والاكثر خبرة، مفترضين ان الجيل القديم لا يفهم حقا التحديات والمشاكل التي يواجهها الجيل الجديد، غير ان مثال راعوث المتواضعة يعلمنا ان الاصغاء الى حكمة الاكبر سنا الذين يحبوننا ويهتمون بمصلحتنا يعود علينا بفوائد كثيرة، ولكن بما اشارت نعمي على كنتها، وكيف استفادت راعوث من تطبيق كلامها؟ وهو أنه في ذلك المساء.
توجهت راعوث الى البيدر، وهو بقعة منبسطة مرصوصة يقصدها المزارعون لدرس الحبوب وتذريتها، ويقع البيدر عادة على تلة او في سفحها حيث يهب النسيم قويا عند العصر وفي اول المساء، ولفصل الحبوب عن العصافة والتبن، يلقي الحصاد الحبوب في الهواء مستخدما مذراة او رفشا كبيرا، فتسوق الريح العصافة الخفيفة الوزن بعيدا، في حين تقع الحبوب الاثقل ارضا، وقد راقبت راعوث البيدر دون ان تلفت الانظار فيما اخذت وتيرة العمل تخف شيئا فشيئا، وكان بوعز قد اشرف على تذرية الحبوب وكدسها كومة كبيرة، فأكل وشبع ثم تمدد عند طرف كدس الحبوب، وكما يتضح، كان النوم بجانب المحصول عادة شائعة ربما لحماية الغلة الثمينة من اللصوص والناهبين.
راعوث في حقول بوعز
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.