مقالات ووجهات نظر

مقال في حدوته. النَـمرة السـمراء

مقال في حدوته. النَـمرة السـمراء2

بقلم/ هشـام سـطوحى

هى بنت محافظة الشرقية .. تنتمى لأسرة مكونة من الأب والأم وأربعة ذكور وخمسة من الإناث .. أسرة فقيرة جداً ليس لها دخل ثابت .. يعمل الأب عامل باليومية يتقاضي القليل والبسيط الذي لا يكفي حتى لسد احتياجات أسرته الأساسية ولذلك قامت أسرتها بتسريحها من التعليم و من أول سنة دراسية لتوفر نفقات تعليمها .
وعند بلوغها الحادية عشرة خرجت مجبرة لتعمل في أحدى الورش التى تصنع السجاد اليدوى وكانت تعطى راتبها بالكامل لأسرتها .
وتمر السنين وعند بلوغها سن السادسة عشرة كانت إحدى السيدات المنتمية إلى القرية والمهاجرات في فرنسا في زيارة للقرية وشدتها ملامح الفتاة ذات البشرة السمراء والبراءة الطبيعية وتعلقت بها وأحبتها وطلبت من أسرتها أن تأخذها معها إلى فرنسا لأحتياجها لمن يساعدها في أعمال المنزل .
وطبعاً وافقت الأسرة وبكل حماس وسرور .
ولكن كانت هناك عقبة ، كيف تسافر وسنها أقل من ثمانية عشرة عام وهو السن القانونى للسفر .. فقاموا بتزوير شهادة ميلاد لها حتى تستطيع السفر.
وسافرت الفتاة الصغيرة إلى بلد لا تعرف عنها شئ ولا تملك أى شىء ولا حتى مهارة القراءة والكتابة .
وتمر عشرة سنوات وهى حبيسة منزل لا ترى أحد ولا تتعامل مع أحد سوى أفراد الأسرة التى تعمل لديهم.
وتكبر وتترعرع بعيداً عن أسرتها وعن ثقافة ومجتمع مختلف جذرياً عن ما تعلمته في سنواتها القليلة التى قضتها فى قريتها وكل هدفها هو العمل ثم العمل و إرسال ما تستطيع من المال لأسرتها التى كانت تنتظر كل شهر الغيث الذي كان يأتى من ابنتهم .
ولكن مع الوقت بدأ صاحب المنزل يلامسها ويتحرش بها وأصبحت تضيق من تصرفاته الحقيرة معها وبرغم ضعفها وقلة حيلتها كان لديها موروث إيمانى وثقافي متين وقاومته بكل قوة .. وتركت المنزل ولكن ماذا تفعل وهى بمفردها في بلد غريبة ولا حتى تجيد الفرنسية ولا حتى كتابة وقراءة اللغه العربية .
وكل ما تملكه ارادة وصلابة من فولاذ قاومت و واجهت حياة الغربة بمفردها وكان عليها اولاً لأستمرارها في فرنسا والإلتحاق بأى عمل تعلم و إيجادة اللغة الفرنسية قراءة وكتابة .. وفعلاً تحدت الزمن والمنطق والواقع وتعلمت اللغة الفرنسية في وقت قياسي وكل هدفها إيجاد عمل بأسرع وقت لتستمر في أرسال المال لأسرتها وكأنها خُلقت لهذا الغرض دون الإنتباه لنفسها وحياتها مع العلم أن أسرتها اصبحت لا تتذكر أى شىء عنها سوى أموالها المرسلة .
وإلتحقت بعمل حكومى في إحدى الملاجئ.
وظلت تعمل وتعمل وبأصرار حتى أصبحت ذات كلمة مسموعة وسيرة طيبة بين محيطها والكل يشهد لها بالكفاح والمثابرة والإصرار والعزيمه .. وتتعلم أكثر وتجتهد أكثر ليزيد شأنها وسمعتها الطيبة.
لقد أختصرت الكثير من المعاناة والآلام التى عاشتها والتى لا يستطيع بشر طبيعي تحملها .. حتى عندما قررت تكوين أسرة تزوجت من شخص كانت حياته على وشك الأنهيار من كثرة الديون وأسلوب حياته الخطأ .. وكأنها خُلقت لدور المساند والداعم و واقفت بجانبه بكل قوة حتى تجاوز مشاكله وأصبح له أعمال جيده وهى الأن بالفعل أيقونة مصرية على الأراضي الفرنسية .. لا تبخل على أحد بأى مساعدة تجتاز الصعاب بمنتهى القوة والإيمان والإصرار ليس لديها رفاهية التعب والتذمر من ظروفها.
وفي النهاية أحب أن أطرح سؤال للجميع ومن بينهم أنا .. ماذا فعلنا بكل ما لدينا من تعليم وإمكانيات ومهارات وحياة مستقرة ؟؟؟!..مقارنة بهذه السيدة التى كانت لا تملك أى شىء وأصبحت الأن أيقونة ومثال مشرف يفتخر به كل مصرى.


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة