مقالات ووجهات نظر
مصر في عيون العالم .. تعامد الشمس علي معبد أبو سمبل
مصر في عيون العالم .. تعامد الشمس علي معبد أبو سمبل
بقلم – فارس حسني
مصر في عيون العالم .. تعامد الشمس علي معبد أبو سمبل
تعتبر الحضارة المصرية القديمة من أقدم وأعظم الحضارات في التاريخ ، إلى جانب براعة المصريين القدماء في فن العمارة والبناء وعلوم الهندسة والحساب والزراعة والتحنيط، تميز المصريين القدماء أيضا في علم الفلك ومن الأشياء التي تشهد على تميزهم و تقدمهم في علم الفلك ظاهرة تعامد الشمس على وجه تمثال الملك رمسيس الثاني الموجود في معبد أبو سمبل الواقع في مدينة أسوان المصرية أمام شاطئ بحيرة ناصر مرتين كل عام.
وتعد ظاهرة تعامد الشمس حدث فريد من نوعه حيث يبلغ عمرها 33 قرنا من الزمان ، كما تجسد هذه الظاهرة التقدم العلمي الذي توصل إليه قدماء المصريين خاصة في مجال الفلك ، ووفقا لوزارة الآثار المصرية فإن ظاهرة تعامد الشمس تحدث مرتين خلال العام إحداهما يوم 22 فبراير “احتفالا بموسم الفيضان والزراعة” ، ويوم 22 أكتوبر “احتفالا بموسم الحصاد” وتحدث عن طريق سقوط أشعة الشمس عموديا على تمثال الملك “رمسيس الثاني” وتماثيل “آمون رع” و “رع حور” لتخترق الأشعة صالات المعبد داخل قدس الأقداس ، وهو المحراب الأعظم الموجود بمعبد أبو سمبل ، وهو عبارة عن حجرة صغيرة يوجد بها أربع تماثيل عملاقة مواجه للمدخل الذي يبعد عن البوابة مساحة تقدر بحوالي 60 متر تقريبا.
معبد أبو سمبل من أهم المعابد الصخرية في العالم وذلك لأنه نحت في الصخر في جبلين على الضفة الغربية لنهر النيل في القرن الثالث عشر قبل الميلاد تحديدا عام 1275 ق.م واستغرق بناؤه 19 سنة تقريبا.
أثناء التعامد لابد أن تغطي أشعة الشمس بالكامل تمثال الملك “رمسيس الثاني” باعتباره ملك البلاد وتمثال “آمون رع”، أما بالنسبة لتمثال “رع حور” فهي تغطي نصفه الأيسر فقط ، والمدهش في الأمر أن “رع حور” يمثل عند المصريين القدماء اليوم الفلكي الذي ينقسم إلى جزئين هما النهار والليل ، لذلك تتعامد الشمس على نصفه الأيسر فقط.
أما تمثال “بتاح” فهو يمثل في الثقافه المصرية القديمة السواد والظلمة لذلك يبقى في ظلام دامس لا تصل إليه أشعة الشمس..
تحدث الظاهرة يوم 22 فبراير من كل عام في تمام الساعه 6.20 دقيقة صباحا بعد شروق الشمس مباشرة ، تسقط الأشعة على فتحة صغيرة في الجدار الأمامي للمعبد لتقتحم المعبد من الداخل وتمر عبر مسافة تقدر بنحو 200 متر تقريبا لتغطي وجه الملك بالكامل ، وتتكرر الظاهرة في نفس العام مرة أخرى يوم 22 أكتوبر في تمام السادسة صباحا وحتى 6.22 دقيقة وبنفس التفاصيل السابقة.
تم اكتشاف الظاهرة في شتاء عام 1874م ، عندما رصدت الكاتبة البريطانية “إميليا إدوارد” والفريق المرافق لها هذه الظاهرة ، وقد قامت بتسجيلها في كتابها الذي نشر عام 1899م بعنوان “ألف ميل فوق النيل”.
ولكن كيف تحدث هذه الظاهرة خصوصا أن الأمر في غاية التعقيد ويستلزم معرفة دقيقة في الفلك وحسابات إنحراف الزوايا؟؟
المعروف عن المصريين القدماء براعتهم وتقدمهم في علم الفلك وتأثيره في حياتهم العملية والدينية ، واستطاعوا بشكل كبير معرفة موقع شروق وغروب الشمس والإستفادة منه ، ويقال أيضا أن هذا الحدث يتزامن مع حدث آخر وهو بدء موسم الزراعة.
في الحقيقة تستند هذه الظاهرة على حقيقة علمية حيث يقع المعبد على دائرة عرض 22 درجة و 20 دقيقة و 13 ثانية شمالا ، وعلى خط طول 31 درجة و 37 دقيقة و 32 ثانية.
يحدث إنحراف تدريجي في موضع الشمس نحو الشمال الشرقي أو الجنوب الشرقي وتعود إلى موضعها الأصلي في الشرق مرة أخرى ويتكرر هذا الموضوع كل عام.
إكتشف المصريين القدماء أن الشمس يوم 21 مارس تشرق من نقطة الشرق بالضبط وتبدأ بالتباعد عن هذه النقطة يوميا مسافه قدرها ربع درجة ، ومع مرور الأيام تبدأ بالإبتعاد عن المشرق مسافه قدرها 23 درجة و 27 دقيقة من إتجاه الشمال الشرقي في 22 يونيو ، وبناءا على ذلك إستنبط المصريين القدماء أن الشمس تمر على كل نقطة أثناء الشروق والغروب مرتين كل عام وأن المسافة بينهم تختلف تبعا لبعد كل نقطة عن نقطة الشرق تماما.
من هنا يتبين أن تعامد الشمس على وجه الملك يوم ميلاده ويوم تتويجه هو نتيجة لاختيار المصريين القدماء نقطة في مسار شروق الشمس تبعد عن نقطتي مسارها زمن قدره أربعة أشهر للتوافق مع يوم 22 أكتوبر ، والحقيقية المدهشة هنا أن تلك الحسابات لا تستند على أصول فلكية فقط بل وأصول جغرافية ورياضية معقدة منذ أكثر من 3300 عام.
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.