مقالات ووجهات نظر

“إذا خاصم فجر”… قيمة أخلاقية تهتز في زمن الاستقطاب

بقلم: اموره يسري

في الحديث النبوي الشريف، يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم واصفًا المنافق: “إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر” [رواه البخاري ومسلم]. ويأتي هذا الحديث ليعكس ملامح النفاق العملي، مبرزًا صفات تهدم جسور الثقة بين الأفراد، وتفتت بنيان المجتمعات.

ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في ختام الحديث، هو قوله صلى الله عليه وسلم: “إذا خاصم فجر”. فالفجور في الخصومة لا يعني فقط الانفعال أو الغضب، بل يتعدى ذلك ليصل إلى التجاوز في القول، والكذب في الادعاء، والظلم في الحكم، والتعدي على الحقوق. إنها صورة لانعدام الضوابط الأخلاقية حين يحتدم الخلاف، وهي ظاهرة تتفاقم في زمننا، حيث أضحى التراشق اللفظي والتجريح الشخصي أدوات معتادة في كثير من الخلافات، سواء على المنصات العامة أو في العلاقات الخاصة.

إن الفجور في الخصومة لا ينم فقط عن خلل في السلوك، بل يكشف عن قصور في الوعي القيمي، وفشل في إدارة الخلاف بشكل ناضج. فالمجتمعات السليمة لا تقاس بعدم وجود الخلافات، بل بقدرتها على إدارة هذه الخلافات بروح الإنصاف واحترام الآخر، دون الانزلاق إلى مهاوي الكذب والتشويه.

وقد حذّر الإسلام من هذا السلوك لأنه يزرع الأحقاد ويمزق الأواصر ويعمّق الانقسامات. لذلك، فإن إحياء معاني هذا الحديث في سلوكنا اليومي، لا سيما في الإعلام والحياة العامة، يمثل ضرورة أخلاقية وإنسانية قبل أن يكون مطلبًا دينيًا.

ومع تصاعد وتيرة الاستقطاب، تبقى دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم نبراسًا لمن أراد أن يسمو بأخلاقه، ويجعل من الحوار أداة بناء لا وسيلة هدم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى