قارون والفساد
قارون والفساد
بقلم / محمـــد الدكـــروري
قارون والفساد
اليوم : الأثنين الموافق 18 ديسمبر
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله الذي خلق الأرض والسموات، الحمد لله الذي علم العثرات، فسترها على أهلها وأنزل الرحمات، ثم غفرها لهم ومحا السيئات، فله الحمد ملء خزائن البركات، وله الحمد ما تتابعت بالقلب النبضات، وله الحمد ما تعاقبت الخطوات، وله الحمد عدد حبات الرمال في الفلوات، وعدد ذرات الهواء في الأرض والسماوات، وعدد الحركات والسكنات، وأشهد أن لا إله إلا الله لا مفرّج للكربات إلا هو، ولا مقيل للعثرات إلا هو، ولا مدبر للملكوت إلا هو، ولا سامع للأصوات إلا هو، ما نزل غيث إلا بمداد حكمته، وما انتصر دين إلا بمداد عزته، وما اقشعرت القلوب إلا مِن عظمته، وما سقط حجر من جبل إلا من خشيته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قام في خدمته، وقضى نحبه في الدعوة لعبادته.
وأقام اعوجاج الخلق بشريعته، وعاش للتوحيد ففاز بخلته، وصبر على دعوته فارتوى من نهر محبته، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واستن بسنته وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، ثم أما بعد، لقد كان قارون نموذجا آخر للفساد، فقد بغى وطغى حين أعطاه الله من المال ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة من الرجال، فكيف بما داخلها من الخزائن والأموال، وتكبر قارون على عباد الله، وتجبر على الناصحين، الذين قالوا له كما جاء فى قول الحق سبحانه وتعالى فى سورة الفصص ” لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، وابتغ فيما آتاك الله الدار الأخره ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبع الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين” وجحد قارون فضل الله تعالى عليه.
وقال قولته الآثمة كما جاء فى سورة القصص ” قال إنما أوتيته على علم عندى ” ولقد فتن قارون البسطاء حين خرج عليهم في زينته، وتمنى بعضهم أن يكون حاله مثل حاله، ولم ينخدع به العالمون، بل يميز أهل العلم والإيمان الذين لا تغرهم الحياة الدنيا، وينظرون إلى ما وراء ذلك من ثواب الله أو عقوبته فيقول الله تعالى ” وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ” وكانت النهاية المؤلمة، والمشهد المخزي، والفضيحة والعقوبة الإلهية التي تنتظر الأفاكين، وقارون نموذج لهم فقال الله تعالى ” فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين ” ولئن خسف بقارون بشخصه، فلا يزال يستنسخ نموذجه، ولا يزال مفسدون يسيرون على خطاه.
ولا بد أن يواجهوا نفس المصير الذي واجهه إن لم يتراجعوا حساباتهم ويستغفروا ربهم، إن الفساد والإفساد شر وبلاء، فإن العبد قد يكون عبد سوء وفساد، وقد يكون عبد خير وتقوى، فإن تخلق بالدين، والخلق القويم، وامتلأ قلبه إيمانا وتقوى، سعى في إصلاح البلاد والعباد، وإن انحرف معتقده، وساء سلوكه، سعى في إفساد البلاد والعباد، والفساد والإصلاح أمران متناقضان، وكل يدعي لنفسه أنه المصلح، ولكن كما قال الله تعالى فى سورة البقرة ” والله يعلم المفسد من المصلح ” وقال الله عن المنافقين إنهم إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون كما جاء فى سورة البقرة ” ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون” فكانوا إذا نهوا عن الفساد في الأرض بكفرهم بالله، وتكذيبهم لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وعملهم بخلاف ما يظهرون ” قالوا إنما نحن مصلحون” ولكن قال الله تعالى ” ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون” قال الله تعالى فى سورة المائدة ” إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم “.
قارون والفساد
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.