مقالات ووجهات نظر

السنوات العجاف بدأت فمتى تنتهى

السنوات العجاف بدأت فمتى تنتهى

 

السنوات العجاف بدأت فمتى تنتهى

بقلم… حنان ممدوح الطيب
رئيس قطاع مدن القناة والبحر الاحمر

قديماً وفى رؤيا للملك فى مصر القديمة عجز المفسرون عن تفسيرها، بينما دله ساقى الملك على نبى الله يوسف عليه السلام كما ورد فى القصص القرآني فى سورة يوسف، وكان فى تفسير الرؤيا سنوات خير يعقبها سنوات جدب ثم بعد ذلك تستقيم الأمور وتعود لطبيعتها ولم يكتفى يوسف عليه السلام بتفسيرها بل طلب من الملك أن يجعله على خزائن الأرض لما لديه من قدرة على إدارة الأزمة لتفادى تأثيرات السنوات العجاف.
فهل تفتقر دوله فى حجم مصر لمن يمتلك القدرة على إدارة هذه الأزمة الإقتصاية الطاحنة التى نمر بها فى المرحلة الحالية ؟
كان هذا سؤالى لأحد المهتمين بالشأن العام فى مصر على هامش أحد الندوات، وفى السطور التاليه كان رده على السؤال….
الأزمة التى تعامل معها سيدنا يوسف عليه السلام كانت نتاج ظروف مناخية طبيعية كان يعرف بدايتها ونهايتها من خلال نعمة الله عليه فى تعبير الرؤيا، فلم يختلقها بشر أو يتسبب فيها دول تسعى للسيطرة والهيمنة، واليوم وكأن التاريخ يعيد نفسه مع فارق عظيم حيث بداية سنوات عجاف غير معلوم نهايتها، عالمية وليست محلية كما أن من صنعوها يملكون أدوات إطالتها وإستفحالها، ومن يديرون شئون بلادهم من المتضررين للخروج منها بسلام حول العالم ليسوا أنبياء، كما أن منْ حولهم من المعاونين ليسوا حواريين، كما أن شعوبهم ليسوا من الصديقين .
فقد بدأت القصة بإشاعة وفرض نظرية العولمة وأن العالم قرية صغيرة وتسفيه مفهوم الإكتفاء الذاتى وتعظيم مفهوم التعاون الدولى بين الدول النامية ذات العجز من السلع الأساسية وتلك الدول الكبرى التى تملك فائض من هذه السلع من منطلق توجيه جهود الدول النامية نحو التنمية وزيادة معدلات النمو الإقتصادى لهذه الدول، وكان ذلك حق يراد به باطل وهذا الباطل هو ما تعيشه تلك الدول النامية والإقتصادات الناشئة من ويلات وحروب الدول الكبرى والذى أقل ما يقال عنه أنه حصار إقتصادى قاتل، يتجلى فى أوضح صُوَرِهْ فى تلك الحرب الضروس التى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ضد الإقتصاد الصينى والروسى على حد سواء وتفعيل إختراع العقوبات الإقتصادية وشرعنته ضد كل من تسوّل له نفسه السير عكس إتجاه شرطى العالم والمتحكم فى مصير الدول والشعوب .
بدأت هذه الحرب بإختراع فيروس كورونا وتجييش المؤسسات الدولية ووسائل الإعلام العالمية لترهيب العالم من هذا الوحش الكاسر الذى يُخشى من تحوره الذى فيه نهاية العالم ، والنتيجة كانت تضخم خزائن مختبراتهم وشركات الأدوية بمكاسب هائلة جراء هذا الإختراع المشين، بينما تدهورت إقتصادات دول وحل بشعوبها الفقر والبطالة وتكبدت الكثير من الشركات والمؤسسات الصناعية والإنتاجية خسائر ضخمة بل ومنها ما أعلنت إفلاسها ، وما لبثت فزاعة كورونا أن تنتهى حتى تم توريط روسيا فى حرب مع أوكرانيا حيث لم تكن تدرك روسيا حينها بحجم الدعم اللا نهائى والغير محدود التى ستتلقاه أوكرانيا من أمريكا والغرب، وعلى الرغم من أن هناك حروب فى العديد من المناطق حول العالم إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية ذات تأثير مباشر على كثير من دول العالم حيث أنهما يعتبران المصدّر الرئيس للزيوت والحبوب التى هى خبز البشر وأعلاف الثروة الحيوانية لكثيرٍ من الشعوب .
ولم تقف تلك الحرب على إختراع كورونا وتأجيج وإطالة أمد الحرب الروسية الأوكرانية، بل إمتدت لصناعة الصراعات داخل الدول التى بدأت منذ عقود ومازالت بخلق صراعات فى تلك الدول التى لم يصبها الدور فى جدول مارد الإقتصاد العالمى.
لم تكن مصر منعزله عن هذا العالم وإن كانت قد نجت بفضل الله من أن تغتالها تلك الحروب وخاصةً تلك الصناعة المحكمة لسد النهضة الإثيوبى تلك الحرب المؤجلة بخيارات الحلول الدبلوماسية كبديل لمواجهة حتمية، فلم تكن نجاة مصر مطلقة ولكن تأثرت بتلك الأحداث التى أخرت من وتيرة نمو إقتصادها وتأثرت بشظايا موجعة جراء ما يحدث فى العالم والمنطقة .
ربما خفف من تأثير تلك الشظايا عديد من الخطوات الإصلاحية للإقتصاد المصرى وكثير من المشروعات التى تبنتها الدولة لإعادة تأهيل البنية التحتية وكثير من ركائز التنمية خلال السنوات العشر الماضية وهى ليست خافيه على أحد والتى بدونها كان سيصيبنا ما أصاب الكثير من دول حولنا .
ومن تأثيرات شظايا تلك الحروب إلى طعنات الخناجر المباشرة من مؤسسات التمويل الدولية التى أخرجوها من غمدها حتى تعمّق جراحنا وتكبلنا بقيود التبعية وهذا مالم تقبله ولا ترتضيه جمهوريتنا الجديدة لما فيه من تغوّل على السيادة الوطنية للإقتصاد فقابلتها تلك المؤسسات بالمزيد من الضوابط والشروط التى لا تساعد على تنمية إقتصادية بمعدلات كبيرة، ناهيك عن حرب الدولار والتحكم فى الإستثمارات الدولارية التى تجتذبها الدول النامية من خلال المارد الأكبر الذى يتلاعب بإقتصادات العالم برفع قيمة العائد على المدخرات الدولارية فى بنوك وول ستريت، فتهجر تلك الدولارات بنوك الإقتصادات الناشئة وترتمى فى أحضان المارد ، وبنظرية العرض والطلب يقل المتاح من الدولار فى دولنا فترتفع قيمته مقابل عملاتنا المحلية فيحدث التضخم وترتفع الأسعار ويسخط المواطن على حكومته ويبالغ فى جلدها ليل نهار دون أن يفكر للحظة أنه من الممكن أن يساهم فى تجاوز هذه الأزمة التى صنعها ذلك المارد الأكبر لو أنه فقط خفّض من الإستهلاك فى بعض السلع غير الأساسية التى تستنزف الدولار، إلى جانب تلك الجهود التى تقوم بها الدولة للتعامل مع الأزمة فى السياسات الإقتصادية والسياسات النقدية والتوجه نحو التعاون مع الدول والتحالفات الإقتصادية التى تسعى للتخفيف من هيمنة الدولار من خلال التعامل بالعملات المحلية فيما بينها أو حتى بإستحداث عمله موحده بين هذه التحالفات ترتبط بالذهب وليس بالدولار .
إنتهى الرد على السؤال لكن لم تنتهى المعاناة التى نأمل ونحن على أعتاب ميلاد عالم متعدد الأقطاب أن تنتهى تلك السنوات العجاف .
#بنت_الطيب


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة