قصائد شعرية وأدب

ــــــ كرنفال الأشباح ـــــ صرخة من قلب المقبرةـــــــ

كتب/مجدي إبراهيم

ــــــ كرنفال الأشباح ـــــ
صرخة من قلب المقبرةـــــــ

عرض مسرحي يهز المقبرة بصراخ الجسد وصمت الأرواح.
على مسرح التربية والتعليم بالسويس، تم عرض مسرحية (كرنفال الأشباح) لفرقة فيصل المسرحية، التابعة لفرع ثقافة السويس.
المسرحية للكاتب الفرنسي (موريس دي كوبرا)، من إخراج: أحمد رضوان.
وهي تعد من المسرحيات الرمزية، تعكس صراع الإنسان مع الواقع، والخيبة، والخذلان، من خلال شخصيات تمثل أبعادًا نفسية، واجتماعية، وفكرية.
كرنفال الأشباح عالم غير واقعي، مليء بشخصيات فقدت معناها الحقيقي، كأنهم أحياء بلا روح…
الشخصيات في المقبرة أشباح تتحرك وتتكلم، لكنها فقدت المعنى والهوية.
تدور المسرحية في أجواء كابوسية رمزية، عن الخيانة، والجنون، والزيف، والخيبة، بأسلوب رمزي ساخر، وبحوار فلسفي يُظهر عمق الشخصيات.
وكان الكرنفال هو لحظة انقلاب مؤقت للقيم، لا يعني الفرح، ولا مهرجانًا للبهجة، بل كان كرنفالًا ساخرًا مأسويًا، يعكس لنا، من خلال العرض، زيف الاحتفالات في مجتمع منهار.
وكانت الأشباح هي كل ماضي الإنسان، بذنوبه، وأخطائه، وندمه.
هم أناس ماتوا معنويا، يعيشون بأجسادهم دون هدف، دون أحاسيس، تحكمت فيهم شهواتهم وأهواؤهم.
المسرحية غير تقليدية، لا تعتمد على تصاعد الأحداث التقليدي، والعرض لا يضع المتلقي في موقف الراحة، بل يجعله يتساءل:
هل أنا أحد هؤلاء الأشباح؟
هل أعيش الزيف؟
وهذا من أسلوب مسرح العبث أو المسرح الوجودي، أن يجعل المشاهد يخرج مرتبكا يفكر، ربما يتغير.
حيث تم دفع المشاهد برفق نحو المقبرة. ليست مقبرة عادية، بل واحدة تسكنها أشباح حية، تتكلم، تضحك، تنتظر… لكنها في النهاية ميتة من الداخل.
شواهد القبور تملأ الخشبة، فتفرض من اللحظة الأولى سؤالًا على الجمهور:
هل نحن نعيش حقًا؟ أم أننا نؤدي أدوارًا محفوظة في عالم ماتت فيه المشاعر؟
هكذا يُفتتح الكرنفال، لا بالبهجة، بل بالسخرية السوداء.
المسرحية لا تنتهي بحل، بل بسؤال:
هل نحن أيضًا ننتظر؟
هل نعيش في “كرنفالات” يومية نخدع بها أنفسنا ونخفي بها موتنا الداخلي؟…
وجود شواهد القبور على المسرح يجعل الجمهور يعيش جو الموت من اللحظة الأولى، كأن المسرحية كلها تدور في عالم “ما بعد الحياة”، أو على حدودها.
لكن الأهم، إن:
المقبرة هنا مقبرة للضمير، مقبرة للحب، مقبرة للأمل، مقبرة للإنسان.
وجود الشخصيات وسط شواهد القبور يجعل كل حركة لهم كأنها داخل تابوت مفتوح.
حتى حديثهم يتردد وسط الموت، ليضيف إحساسًا بالاختناق واللاجدوى……

ــ ترسم المسرحية صورة لمجتمع دفن ذاته في مقابر القيم، وظل يرتدي أقنعة الحياة بينما هو غارق في العفن….
المقبرة هنا ليست نهاية، بل مسرحًا للسخرية والعبث، حيث يرقص الأشباح في “كرنفال” خادع، يفضح الزيف الذي نعيش فيه…
وبين شواهد القبور، تتكسر العلاقات، وتكشف الخيانات، وتسحق المشاعر، ويبقى المجنون وحده من يرى الحقيقة، حتى وإن لم يصدقه أحد.
إنها مسرحية تسألنا جميعا:
هل ما زلنا أحياء؟ أم أننا مجرد أشباح تتجول وسط شواهد من زمن فات؟
بهذا، يتحول كرنفال الأشباح إلى مرآة قاسية، لكن صادقة، تطالبنا بأن نواجه الحقيقة… قبل أن نصبح نحن أيضًا من سكان المقبرة. ……

– مقومات النجاح.(.. بين حلم مخرج وعودة نجم)
من أهم مقومات نجاح “كرنفال الأشباح” هو وجود “دماغ” أحمد رضوان، مخرج العرض (الواعد)، تلك الدماغ المليئة بالأفكار، المشحونة بالأحلام، والمزدحمة بالأسئلة والرؤى.
صحيح أنها أحيانًا كانت تحتاج إلى “كنترول” يهدئ الزحام وينظم المرور داخل عقله، لكنها في المقابل كانت قادرة على صنع عرض حي ينبض بالحياة داخل مقبرة رمزية…
ولا يمكن الحديث عن النجاح دون الإشادة بعودة الفنان القدير/ صلاح محمود، الذي استعاد حضوره المسرحي بكل ما فيه من قوة واتزان وتفرد.
قدم شخصية “البروفيسور” بأسلوب ناضج، بعيد عن المبالغة، وملون بانفعالات داخلية ناعمة.
كانت عودته بمثابة ركيزة توازن فني….

ــ في النهاية، لا يسعني إلا أن أوجه تحية صادقة لكل فريق العمل، من ممثلين، وفنيين، ومصممين، ممن أخلصوا في تقديم تجربة مسرحية ثرية، تميزت بالفكر، والفن، والإحساس.

ولأن ما تم على خشبة المسرح لا يمكن احتواؤه في مقال واحد، فإن لنا جزءًا ثانيًا قريبًا، بعد مشاهدة ثانية، نفرد فيه الحديث عن الأداء التمثيلي المتنوع، ولوحات الدراما الحركية، وتصميم الديكور، والإضاءة، والملابس.

تنويه واجب… من قلب الخشبة

قبل أن أختم، لا بد أن أضع الأمور في نصابها.
أنا لست ناقدًا أكاديميًا، ولست محللًا فنيًا محترفًا.
ما كتبته هنا، وما شاركته معكم، هو انطباع صادق من فنان عاش المسرح لسنوات طويلة،
ممثلًا عشق الوقوف في مواجهة الجمهور،
ومخرجًا خاض مغامرات النص والخيال والتنفيذ،
ومدربًا حمل شغفه وعلّمه لغيره،
في رحلة امتدت لأكثر من ثلاثين عامًا..
ما قرأتموه ليس تقييمًا، بقدر ما هو رسالة حب لهذا العرض، وتأمل شخصي في معانيه،
بعد أن استقبله العرض كمتفرج، ومسه كإنسان، وحركه كفنان…
وسوف نلتقي… فالمسرح لا ينتهي، بل يعود كل ليلة ليوقظ فينا الحياة.
ــــــ كرنفال الأشباح ـــــ
صرخة من قلب المقبرةـــــــ

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى