توسع دائرة الحقد
توسع دائرة الحقد
بقلم / محمـــد الدكـــروري
توسع دائرة الحقد
الحمد لله، أعظم للمتقين العاملين أجورهم، وشرح بالهدى والخيرات صدورهم، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وفّق عباده للطاعات وأعان، وأشهد أن نبيّنا محمدا عبد الله ورسوله خير من علَّم أحكام الدين وأبان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الهدى والإيمان، وعلى التابعين لهم بإيمان وإحسان ما تعاقب الزمان، وسلّم تسليما مزيدا ثم أما بعد، قد تظلم الدنيا في وجه الحاقد، وتضيق به على سعتها، وتتغير معاملته حتى لأهله وأولاده، لأن الحقد يضغط عليه من كل جانب، وقد تتسع دائرة الحقد لتشمل الأبرياء، كما لو كرهت امرأة زوجها لإهانته وشتمه لها وتعذيبها، فقد تكره جميع الرجال، أو يظلم والد ولده ويذيقه ألوان العذاب، ويقسو عليه ويحرمه ألوان العطف والحنان، فيكره الولد كل الآباء، وهكذا، والحقد في الغالب يكون بين الأقران.
ولذلك الضرة تحقد على ضرتها، والفقير يحقد على الغني، وكل من سلب نعمة يحقد على من أنعم الله به عليها، وهكذا، وكل صاحب رئاسة يحقد على من ينازعه الرئاسة، وكل إنسان يحقد على من يتفوق عليه بشيء وإذا كان للحاقد سلطة أو قوة فإنه يسعى للانتقام من كل من يظن أنه عدو له، والحاقد فيه شبه من الكفار الذين قال الله فيهم فى كتابه الكريم فى سورة آل عمران ” وإذا خلوا عضوا عليكم الانامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور” فتأمل هذه الصورة الكريهة الشنيعة التي ذكرت في القرآن عن هذا الحاقد المغتاظ يعض أنامله على من يحقد عليه، وإن الجدال على النحو مجلبة للعداوة وذريعة للكذب وبابا من أبواب الفتنة واتباع الهوى وسببا من اسباب التفكك الإجتماعى، والجدال هو المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من جدلت الحبل.
أي أحكمت فتله ومنه الجدال، فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه، وقيل أن الأصل في الجدال هو الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة، وهي الأرض الصلبة، وإن ترك الجدال والمراء والخصومات محمود شرعا، وخاصة إذا كان ذلك في الدين، ومع أهل الأهواء والبدع، وقد وردت في ذلك بعض الأحاديث والآثار، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم ” أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه” رواه أبو داود، والمراء هو الجدال، وإن من جراء التعصب الذى يؤل الى التنابز والتنافر وتنامى الحقد والكراهية، قد قال ابن عباس رضي الله عنهما ” كفى بك ظلما ألا تزال مخاصما، وكفى بك إثما ألا تزال مماريا ”
وكان الحسن البصرى إذ سمع قوما يتجادلون قال ” هؤلاء ملوا العبادة، وخف عليهم القول وقل ورعهم فتكلموا ” وقد روى الآجرى بسنده عن مسلم بن يسار رحمه الله أنه قال ” إياكم والمراء، فإنه ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته” وقال القرطبي رحمه الله عن الجدال ” الجدال وزنه فعال من المجادلة، وهي مشتقة من الجدل وهو الفتل، ومنه زمام مجدول” وقيل أن الجدال هي مشتقة من الجدالة التي هي الأرض، وإن الجدال من آثاره هو تغليف القلب بالقسوة ونزوع الخشية، وكراهية الحق فى جانب المغلوب، وتنامى الغرور والكبر فى جانب الغالب، فضلا عما يجلبه للنفس من هم وغم، وذلك من حيث أنه شهوة النفس إذا ثارت لابد من إشباعها، وإلا أصابت صاحبها بالتوتر والقلق اللذان يؤلان الى الكدر والحزن، وقال ابن عباس لمعاوية رضي الله عنهما.
” هل لك في المناظرة فيما زعمت أنك خاصمت فيه أصحابي ؟ قال وما تصنع بذلك ؟ أشغب بك وتشغب بي، فيبقى في قلبك ما لا ينفعك، ويبقى في قلبي ما يضرك ” وقال ابن أبي الزناد ” ما أقام الجدل شيئا إلا كسره جدل مثله ” والجدال نوعان، وهما جدال محمود، وهو الجدال الذي يكون هدفه وغايته إظهار الحق، وتقريره، ويكون ذلك بإقامة الحجّة، والدليل، والبراهين التي تدل على صدق الحق، وهذا الجدال أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال الله تعالى “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه، وجادلهم بالتى هى أحسن” ومن أمثلة هذا الجدال هو جدال ابن عباس الخوارج، وكان ذلك فى زمن علي بن أبي طالب، وإقامة الحجة عليهم، وجدال الإمام أحمد للمعتزلة، وجدال ابن تيمية أهل البدع.
توسع دائرة الحقد
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.