مقالات ووجهات نظر

الإلهام ومصادره عند الفنان بقلم الكاتبة المغربية د. امينة المهدي

بقلم الكاتبة المغربية دكتورة / امينة المهدي
 ( الإلهام ومصادره عند الفنان)
____________________

لم يتوقف الحديث عن الإلهام ودوره في أي ثقافة من ثقافات العالم منذ غابر الأزمان إلى يومنا هذا، وقد شهد مفهومه ما بين الخرافات والحقائق العلمية في التربية الحديثة تعريفات مختلفة، كما تنوعت مصادره بتنوع الثقافات وتعدد الأمكنة وتتالي الأزمنة.
إن الإنسان ينتمي لبيئته وعلاقته بها وبالمكان الذي يعيش فيه يجسد ذلك، فما بالك بالفنان الذي يستطيع بأحاسيسه ومشاعره التعبير عن ذلك فنيا وجوهريا. والمبدع عموما، سواء كان أديبا أو موسيقيا أو فنانا تشكيليا أو عالما مخترعا أو تاجرا، يبحث عن الإلهام لتنفيذ فكرته. فإذا كنت تشعر أنك عالق بلا إلهام، لا تقلق، فقط ابدأ بتحديد هدف واضح، فقد تعثر على الإلهام من الأشياء الموجودة في حياتك، واعط مجالا لخيالك وصفّ ذهنك حتى تتمكن من إستقبال هذا الإلهام وتحويله إلى خطوات تتلاقى وتتماشى مع هدفك. فإستحضار الإلهام لرسم لوحة بتجريب أمور جديدة قد يساعدك على تدفق الأفكار الإبداعية، وإحتكاكك بأشخاص آخرين ذوي إهتمامات مشتركة والتحدث عن مشروعك والإستماع إلى آرائهم قد سيساعدك على الوصول الى أفكار مبتكرة، والإنحراط في نوادٍ قد يعرفك على فنانين أو مفكرين آخرين في منطقتك، والذهاب الى معارض مدينتك قد يساعد كذلك، شرط أن تتعلم الإنفتاح على ذلك الإلهام.
إن الإلهام هو ما يقع في الروح والعقل من أفكار إبداعية تدفع بصاحبها للعمل والاجتهاد لتحويل الفكرة لواقع ملموس، فهو إحساس يتوصّل من خلاله الإنسان إلى أفكار متميّزة، فهو استثارة لإبداع نابع من أعماق القلب، وعلمياً هو شعور مفاجئ يحفز العقل لأداء نشاط غير عادي، أو حالة توحي له بإنشاء فكرة بديعة.
أما الإلهام الفني فهو صور جمالية تراكمت على مدى مراحل العمر، فهو غذاء للأفكار الجميلة من أشكال وسلوك يحس الفنان بالتفاعل معها ومع كل تلك الصور والكلمات، فيطرحها بشكل مناسب وفكر ذكي. ويعرف الإلهام عند آخرين بأنه الزائر الجميل الذي يأتي دون سابق إنذار، فيستقبله الإحساس على المساحة البيضاء للوحة ليجعلها تنطق جمالاً وإبداعا، أو هو إحساس مكبوت في اللاوعي في انتظار طاقة ضوء يشع منها خارجا، أو قد يتمثل في مشاعر أو موقف أو مشهد أو مكان أو رائحة أو سطح أبيض. ويعرف كذلك بأنه ‏‎إلهام وأداة يسخرها الله كمفتاح لآفاق الإبداع.
إن مصادر الإلهام متعددة حسب حاجة الفرد وطبيعة شخصيته، فالعالم قد يستلهم اختراعه من مشكلة واجهته، والأديب والشاعر قد تستثير شاعريته مواقف إنسانية او مناظر طبيعية فتلهمه، والجندي تلهمه شجاعة أبطال القصص، والتاجر تلهمه سيرة نجاح الأغنياء، والفنان التشكيلي تلهمه مواقف الحياة وتجربته الشخصية مع الآخرين والتي قد تؤثر عليه حزناً أو فرحا، فتكون أحد مصادر الإلهام لديه. فمصادر الإلهام متنوعة جداً ومتعددة وتعتمد على المخزون الثقافي بالدرجة الأولى والأحاسيس والإدراك الفني، فهي أفكار تنبعت من التراث والطبيعة والقضايا والموضوعات العامة من الذاكرة البصرية والذكريات وأخرى تأتي من المشاعر، من معاناة وألم أو من لحظات السلام النفسي ومن مواقف الحياة اليومية، فهي مثيرات لا غنًى على المبدع منها، ومصدر ‎الإلهام هذا هو الدافع لولادة أي عمل إبداعي كلوحة أو قصيدة أو لحن.
وتتنوع مصادر الإلهام عند المبدع خلال حدث أو صوت أو عند قراءة قصة أو كتاب أو أثناء حديث، وكل ما يلامس ويستفز مشاعره من مواطن الجمال، فينتج عنه فكرة كلوحة مرئية، تتردد كالصدى في عقله ورغبة ملحة في تفريغ هذه الفكرة في عمل فني. إنها حالة بين الوعي واللاوعي، بين الحقيقة والخيال. فالإلهام مرتبط بهذه المثيرات، وعلى المبدع أن ينتظرها، فهي تأتي على حالة صفاء ذهني بعد مروره بمواقف عديدة من فرح أو حزن أو معاناة، فتظهر له فكرة يرغب بالتعبير عنها. و‏‎التفكر في إبداعات خلق الله عملية تحول هذا الإبداع إلى إحساس صادق.
وأخيرا نتساءل، لماذا يتوقد الإبداع أو ينطفئ في مجتمع دون الآخر؟ والجواب هو أن الإلهام وحده لا يكفي للإنتاج الفني، فيجب انخراط مجتمع واع ومؤسسات حكومية وخاصة لرعاية المبدع ورفعه إلى المكانة الاجتماعية والثقافية المتوخاة.


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة