مقالات ووجهات نظر

تُرى ماذا سيحدُث لو أنَّ الحال تعقَّدَ أكثر و لم يتغيَّر

تُرى ماذا سيحدُث لو أنَّ الحال تعقَّدَ أكثر و لم يتغيَّر

تُرى ماذا سيحدُث لو أنَّ الحال تعقَّدَ أكثر و لم يتغيَّر

بقلم : بــــــسنت صــلاح عبــاس

تُرى ماذا سيحدُث لو أنَّ الحال تعقَّدَ أكثر و لم يتغيَّر

تُرى ماذا سيحدُث لو أنَّ الحال تعقَّدَ أكثر و لم يتغيَّر. ماذا سيحدثُ لو تخلَّى عنا الرفاق، و تعسَّرت بنا السُبُل، و تناءت عنا المَقاصد، و تهاوى ما بَنَينا مِن أحلامٍ، و بَطَل ما اعتنقنا مِن قناعاتٍ. تُرى ماذا سيحدث لو أن السيِّء صارَ أسوأ؟

على الأقل، سنعرفُ أنَّ الجديرين بصُحبتنا أقلُّ بكثيرٍ مِما كُنا نتصور. و تلك القِلَّةُ التي بَقِيَت هِي الصُّحبة الصادقة، النفوس النبيلة التي اختارت أن تستبصرَ جَوهرَنا الثابت الأصيل مِن وراء أنقاضِنا المُتهاوية و أوضاعنا المُخزية.

على الأقل، سنتحرَّرُ مِن سجن سُكوننا الآمن و خِدْرِ قُبوعنا المُريح. سنخلعُ عباءة الخوف من التجربة، فما عادَ لدينا مِمَّا بقَى كثيرٌ لنخسره. لِتسنحَ لنا أخيرًا فُرصةُ أن نمضيَ صوْبَ مَساعٍ أُخرى جديدةٍ، أكثر مُخاطرةً، لكنّها دومًا ما كانت تُهُزُّ أشغافنا، و كُنا نَغُضُّ الطَرْف عنها خَوفًا مِن مصير المُحاولة.

على الأقل، سنتعلم كيف نُقدِّرُ قيمة أنفسنا بأنفسنا، بقِياسنا الذاتّي، لا باعتبارات المُحيطين و لا بإشادات المُتفرجين. ستبصح أفكارُنا أكثرَ استقلالية، و أرواحنا أقربَ للحرية حين نتخلص من هوس الرغبة في أن نكون مُلفِتين.

على الأقل، سنصبح أكثر سعةً و أرهفَ حِسًّا لأن نتأملَّ بتواضعٍ جليل -بعيدًا عن صخب البشر و تعب العيش- جمال الطبيعة و أُنس البَريَّة في لحظةِ هُدوءٍ يعُمُّنا على مَهلٍ. لأن نطلُّ على فداحة مآسينا عبر نافذة السديم، بعيدًا، حيث الكواكب و النجوم، فتهون أمام هيبتها و جلالها أحزانُنا، و تصغر معها حكاياتنا. سنعود خاشعين إلى أحضان الصَّمت الأبديِّ، و الذي في جَرَيانه، كُل حياةٍ ما هي إلا فاصِلٌ قصيرٌ مِن الصَّخَب.

على الأقل، سندرك أن الحياة ما كان لها أن تتشكَّل في إطارٍ كاملٍ خالصٍ من الخلل أو خالٍ من الزلل.. لا في حالنا الواقع و لا في خيالنا الحالم. و أنَّ الحياةَ مسالكٌ واعرةٌ، معيبةٌ بالعَثراث، مليئةٌ بالحَصَى، مُزعزعَةٌ بالشقوق.. و في نقصها هذا سِرُّها و جمالُها. و أنْ ليس ثمّة طريقٌ واحدٌ كفيلٌ بالوصول و لا طريقةٌ واحدةٌ مطلقةُ الصوابِ. و أنْ ليس للحياة كُتيِّبُ تعليماتٍ. و أنَّ بالإمكان دائمًا تجربة الكثير خارج المعهود.

على الأقل، سنتعلم فضيلة الامتنان لكل عاديٍّ مُعتاد. لكل بسيطٍ حاضرٍ، لكل زفرةِ صدر، لكل دقة قلب. لكل يومٍ ولَّى بلا حَدَثٍ استثنائيٍّ، لكنّه مرَّ علينا بلا كرب و لا وَصَب.

على الأقل، سنتعلم أن نفرق بين كل ما هو حدثٌ جَلَلٌ يستدعي الرثاء، و بين ما هو محضُ إزعاجٍ عابرٍ. سنتعلم -في كثير من النوازل- كيف نكون أخفّ اِنفعالًا، و أكثر هدوءًا.

على الأقل، سنعرف سِرَّ الحب الحقيقي. و ندرك معنى الرحمة المُهداة من الآخرين. و هو اللطف الكريم الذي يُمنحَ دون شرطٍ، وبلا أملٍ في الردِّ.

على الأقل، سندرك أن عناء اللهث وراء المال و الشهرة و النجاح ما كان سوى محاولة بائسة لتعويضِ حُبٍّ لامشروطٍ، تاقَت إليه الروح اللاهثة، و لكنها حُرِمَت منه في ماضيها التعيس.

لو أن السيء سار إلى الأسوأ، فلا بأس، الحياة تسير. و نحن بخيرٍ، أو إلى خيرٍ، ما دمنا نسير مع الحياة.

 

تُرى ماذا سيحدُث لو أنَّ الحال تعقَّدَ أكثر و لم يتغيَّر


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة