مقالات ووجهات نظر

النكاح الفاسد

النكاح الفاسد

النكاح الفاسد

بقلم / محمـــد الدكـــروري

النكاح الفاسد

إن الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه وتعالى على امتنانه، ونشهد بأنه لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأن محمدا عبده ورسوله داع لرضوانه، وصلّ اللهم عليه وعلى آله وخلانه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد، إن الإسلام قد وضع حقوقا على الزوجين، وهذه الحقوق منها ما هو مشترك بين الزوجين، ومنها ما هو حق للزوج على زوجته، ومنها ما هو حق للزوجة على زوجها، وإن الحياة الزوجية بحقوقها وواجباتها والتزاماتها لتمثل بناءا ضخما جميلا يعجب الناس منظره، وإن أي نقص في أي حق من الحقوق الزوجية سواء كان حقا مشتركا أو خاصا يسبب شرخا عظيما في بناء الأسرة المسلمة، وإن الزواج على سبيل البدل له ثلاث صور، فالأولى هى أن يتزوج كل واحد منهما من قريبة الآخر ومن هي تحت ولايته، دون اشتراط أن يكون زواج أحدهما مبنيا على زواج الآخر ومتوقفا عليه.

ومع وجود مهر مقرر لكل منهما، فهذه الصورة ليست من نكاح الشغار، ولا حرج فيها، أما إن خطب هذا مولية هذا، وخطب الآخر موليته، من دون مشارطة، وتم النكاح بينهما برضى المرأتين مع وجود بقية شروط النكاح، فلا خلاف في ذلك ولا يكون حينئذ من نكاح الشغار ، وأما عن الثانية وهو أن يتم الزواج بشرط أن يزوج كل واحد منهما موليته من الآخر، مع عدم وجود مهر لهما، بحيث يكون بُضع كل واحدة منهما في مقابلة بضع الأخرى، فهذه الصورة من الشغار المنهي عنه في السنة النبوية باتفاق العلماء وأما عن الثالثة وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو من هي تحت ولايته، بشرط أن يزوجه الآخر ابنته أو موليته، لكن مع وجود مهر لكل منهما، سواء كان متساويا أو مختلفا، فهذه الصورة محل خلاف بين العلماء، فذهب بعض العلماء إلى أن هذه الصورة.

تدخل في الشغار المنهي عنه أيضا، وأن وجود الشرط كافى في جعلها من نكاح الشغار، وهو قول الظاهرية، واختاره بعض العلماء من الشافعية والحنابلة، وقول العلماء إذا زوجه وليته، على أن يزوجه الآخر وليته، فلا نكاح بينهما، وإن سموا مع ذلك أيضا صداقا وفى النهايه رأى ابن باز رحمه الله تعالى ” إذا زوّج الرجل موليته لرجل، على أن يزوجه الآخر موليته فهذا هو نكاح الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي يسميه بعض الناس نكاح ” البدل ” وهو نكاح فاسد ، سواء سمّي فيه مهر أم لا ، وسواء حصل التراضي أم لا ” وأيضا إن قال الرجل له زوجني ابنتك بمائة على أن أزوجك ابنتى بمائة، أو قال بخمسين، فلا خير فيه، وهو من وجه الشغار، ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ويكون لكل واحدة منهما الأكثر من التسمية أو صداق المثل.

وليس هذا بصريح الشغار لدخول الصداق فيه، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ” إذا كان المهر مهر مثلها لم ينقص، والمرأة قد رضيت بالزوج ، وهو كفء لها، فإن هذا صحيح، وهذا هو الصحيح عندنا، أنه إذا اجتمعت شروط ثلاثة وهي الكفاءة، ومهر المثل، والرضا، فإن هذا لا بأس به، لأنه ليس هناك ظلم للزوجات، فقد أعطين المهر كاملا، وليس هناك إكراه، بل غاية ما هنالك أن كل واحد منهما قد رغب ببنت الآخر، فشرط عليه أن يزوجه، فظاهر الأدلة يقتضي أنه إذا وجد مهر العادة، والرضا، والكفاءة، فلا مانع، ومع القول بصحة العقد في هذه الصورة، إلا أنه لا ينبغي سلوك هذه الطريق في الزواج، وإن زواج التحليل ينتج عن عصيانِ الله عز وجل، وطاعة الشيطان، وهو محاولة لخداع الله سبحانه وتعالى، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

أنه سأله رجل فقال إن عمي طلق امرأته ثلاثا، فقال بن عباس رضى الله عنه “إن عمك عصى الله فأندمه، وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا” فقال كيف ترى في رجل يحللها؟ قال “من يخادع الله يخدعه” وأن هناك تفريق بين المحلل والمحللة له، فعن سليمان بن يسار قال “رفع إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها، ففرق بينهما، وقال “لا ترجع إليه إلا بنكاح رغبة غير دلسة” وقد أتى رجل إلى عثمان رضي الله عنه، فقال إن جاري طلق امرأته في غضبِه، ولقي شدة، فأردت أن أحتسب نفسي ومالي فأتزوجها، ثم أبني بها، ثم أطلقها، فترجع إلى زوجها الأول، فقال له عثمان رضي الله عنه “لا تنكحها إلا نكاح رغبة”.

 

النكاح الفاسد


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة