مقالات ووجهات نظر

مهمة التحليل السياسي

مهمة التحليل السياسي

مهمة التحليل السياسي

د. / نورالدين سعد 

مهمة التحليل السياسي

قد نحاول تجاهل السياسة, لكننا لايمكن تجنبها في وقت بات من الضروري للجمهور العام فضلا عن النخبة فهمها.

وربما يستطيع اي احد ان يفهم السياسة بقدر ولكن السياسة علم من اكثر العلوم تعقيدا وعالم غاية في التعقيد.ومن هنا فان التحليل السياسي يحاول قراءة عالمها غير اليقيني بعدسات علوم السياسية المتطورة والمتعددة في تخصصها للوصول لدرجة من اليقين.

وقد بات التحليل السياسي حاجة ضرورية للجمهور العام ونخبته ولعلوم السياسة وطلابها وللممارسة السياسية وصناعها.وتعود حاجة الاطراف الثلاثة لتعقد الظاهرة الاجتماعية وتعدد اطرافها واختلاف مصالحهم ومواردهم وصراعهم المستمر نحو الهيمنة.

وفي خضم تعقيد عالم السياسة وعلومها قد يلجا البعض للتبسيط المخل.ولكن بعض التبسيط في هذه المهمة امر ضروري.وهذا البحث محاولة لتبسيط المعقد دون اخلال باسس واهداف ومؤهلات ومهارات التحليل السياسي.

ولعل هذا البحث يساهم في فتح شهية هذا الجيل ان يتخصص في علم الاجتماع والعلاقات الدولية بما يؤهله لا دراك سنن حراك المجتمعات والمتقاطع محليا واقليميا ودوليا,كشرط من شروط اعادة البناء بعد النقض التاريخي الذي تتعرض له المنطقة.

1- تعريف السياسة

ازمات بلا حدود واحتمالات بلا قيود وقرارات بلا يقين

السياسة ارقى انواع التفكير الانساني وهي فلسفة وعلم وفن مارسه الانسان منذ وجد على سطح الارض.واختلف تعريف السياسة من فيلسوف إلى آخر ومن مذهب سياسي إلى غيره.وسوف نتطرّق هنا إلى آراء بعض الفلاسفة حول نظرتهم لمفهوم السياسة الذي يعتبر اساس في مهمة التحليل السياسي.

فقد عرف الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو السياسة ،بانها *الاسم الذي يُطلق على وضعيّة استراتيجيّة مُعقّدة في مجتمع معيّن،مرتبطة بمفاهيم الحرب والهيمنة داخل القوى المجتمعية وان الحياة وليس الحق هوالذي يشكل الرهان السياسي لهذه القوى [1].

اما قاموس العلوم الاجتماعية لعام 1959 فانه يعرف السياسة بانها *تلك العمليات الصادرة عن سلوك الانسان التي يتجلى فيها الصراع حول الخير العام من جهة, ومصالح الجماعات من جهة اخرى,ويظهر فيها استخدام القوة بصورة او اخرى لانهاء الصراع او تخفيفه او استمراره [2].

واما معجم ليترا فقد عرف السياسة في عام 1870 بانها *علم حكم الدول*. بينما عرفها معجم روبير في 1962 بانها *فن حكم المجتمعات الانسانية*.اما عالم السياسة الفرنسي موريس ديفرجيه فيعرف السياسة بانها *صراع متواصل بين فئات اجتماعية تسعى لبسط سيطرتها والتحكم في مصير المجتمع كله[2].

اما الان فينلايسون بروفيسور النظريات السياسة والاجتماعية في المملكة المتحدة فيعرف السياسة انها ” فن التوصل بشكل تعاوني الى قرارات عما يجب فعله في سياق من الاختلاف وصراع المصالح وعدم المساواة في القوة وعدم اليقين والمخاطرة”[3].ويؤكد بول تشيلتون مضمون هذا التعريف فيقول *ان السياسة هي صراع من اجل السلطة ومن جهة اخرى انها حل لتضارب المصالح[3].

وخلاصة القول في التعريف اعلاه ان السياسة تعاون من جهة وصراع من جهة اخرى بين اطرف الظاهرة الاجتماعية في ظل ازمات مستمرة.والتعاون والصراع بين هذه الاطراف وجهان لعملة علم وعالم السياسة واساس في النظرية السياسية المؤدية لتسويات السياسية او نزاع او بين هذا وذاك في مسلسل دائم التغير وحتى ما نسميه استقرارا اجتماعيا إنما هو توازن قوى، وهو ليس توازنا سكونيا بل حركيا[4].

وبكلمات اخرى فالسياسة حالة تعايش مستمرة بين التعاون من جهة والصراع من جهة اخرى.فالتعاون هو استعراض للقوة السياسية التي تصاغ فيها الخيارات بطريقة يظهر فيها الصراع ويرضخ الناس لهيمنة تلك القوة وقيمها ومصالحها.

قوة وقيم ومصالح تنقل صاحب القرار السياسي من ظرفه زمانا ومكانا الى هدفه من خلال قرارته التي درست الخيارات المتاحة واختارت انسبها.فلا سياسة بدون خيارات ولا سياسة بدون ازمات بل ان الازمات هي معقلن غير عقلاني لعمل سياسي غير مستقر ابدا تشكل الخيارات ركن ركين من اركانه[3].

وخلاصة القول ان جذر السياسة ازمات بلا حدود وخيارت بلا قيود وقرارات بلا يقين بسبب وجود منافسين يفكرون بطرق مختلفة ولهم قيم ومصالح مختلفة ويبحثون في اتخاذ قرارات في ظل معلومات منقوصة دون معرفة اكيدة بطبيعة الظروف وماهي افضل طريقة للعمل وما الاثار التي تنجم عن اي عمل سياسي.

وحتى يخرج صاحب القرار السياسي بخيار محدد فعليه ان يدرس كافة الخيارات المطروحة و الاسباب التي تؤيد وتعارض كل خيار حتى يستقر وفق ظرفه وهدفه وموراده وتحالفاته على قرار.

وهذا يعني ان اختيار الخيار المناسب يحتاج عملية تداول وتفاعل وصراع بين فواعل سياسية يمتلكون خيارات وخيارت بديلة وقدرات غير متساوية واهداف وقيموقرارات مختلفة في ظرف زماني ومكاني محدد ضمن وحدات النظام الدولي الموجود للوصول الى خيار وقرار.

واتخاذ القرارت اذن هو عمل عدائي يدافع به الفاعلون عن توجهات متضاربة في جو من عدم اليقين مع وجود بدائل في مواجهة الازمات.ومن هنا يحتاج الفاعل السياسي الى الات التفكير النقدي التي تدفع به ان يطرح اسئلة متعددة عن ماهية القيم والاهداف والمصالح التي تحدد قراراته في هذه الازمة او تلك.

فالتفكير النقدي هو جوهر السياسة الحقيقية التي تضع الفاعل السياسي وجها لوجه امام سنن الواقع السياسي وهذا من شانه ان يدفعه نحو الابتكار في السياسة ابتكارا يستند الى اشكال جديدة وخيارات متعددة كاساس لاتخاذ القرار السياسي. فاذا اضفنا للتفكير النقدي عدسات التنظير السياسي فقد حاز الفاعل السياسي كما المحلل السياسي على عدته في الممارسة السياسية وفي التحليل السياسي.

بعد هذا التعريف والتمهيد الموجز لعالم الظاهرة السياسية وعلومها نتطرق في القسم الاتي الى اسس الظاهرة السياسية التي تساعد في التحليل السياسي كما ساعدنا تعريف السياسة.

 

مهمة التحليل السياسي


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة