الحقيقة الكبرى في هذا الوجود
الحقيقة الكبرى في هذا الوجود
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحقيقة الكبرى في هذا الوجود
اليوم : الثلاثاء الموافق 20 أغسطس 2024
الحمد لله الذي أنعم وأجزل وتكرم وتفضل أحمده سبحانه على فضله الآخر والأول وأشكره على عطائه المتقبل وخيره المتبذل وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الآخر والأول جعل السنين دول والنصر لأوليائه لمن تدبر وتأمل، والذلة والصغار لمن كفر وتنصل والويل لمن تبع خطوات الشيطان وسول وسوف في التوبة وطول، ذلك وعد الله لمن قرأ وتأصل وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله النبي المبجل، والرسول الصادق الممول طوبى لمن تمسك بسنته التي عليها المعول وحسرة لمن نبذها وتأول، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تمسك بهديه الأكمل وطريقه الأمثل إلى يوم الجزاء والفصل أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فشر الدنيا مهول أعمار تزول وأيام تدول وأعمال دون الطاعة تحول، وكثير من الناس بين أمل ومأمول.
فاتقوا الله عباد الله فالتقوى سبيل مأمول وأمر منشود مسؤول، لا يحيد عنها إلا مذموم مخذول، ثم أما بعد إن الإيمان بالله تعالي هو الحقيقة الكبرى في هذا الوجود من أجلها خلق الله الخلق فهو أصل الدين، من سكن قلبه كان له نورا وسعادة وهدى ونعمة لا تضاهيها نعمة، فلمنزلته تواصى به الأنبياء عليهم السلام، فالإيمان بالله منزلة عالية تشرأب لها الأعناق، والإيمان بالله ملاذ عند الشدائد والكروب، وليس كل من ادعى الإيمان مؤمنا، بل لقد ادعاه فرعون حين أحس الهلاك ففضحه الله وجعله عبرة للمعتبرين، إذ أن الإيمان لابد له من حقيقة تدل عليه، وإذا كان الأمر كذلك فما هي حقيقة الإيمان؟ فحقيقة الإيمان تظهر جلية في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الإيمان ليس كلمة تقال وكفى، وليس شعارا يطرح ثم ينفذ أو لا ينفذ.
وإنما هو أولا وقبل كل شيء عقيدة تخالط شغاف القلوب، وتسري منع الدم في العروق، لا يدركها ريب، ولا يلحقها شك أبدا، وهذه العقيدة لا تكون صحيحة كاملة، ولا تكون سليمة تامة، إلا إذا أتت ثمراتها الطيبة سلوكا مستقيما وأخلاقا طاهرة، وأعمالا رشيدة، ومن ثم لم يذكر الإيمان في القرآن الكريم إلا مقرونا بالعمل الصالح، فالإيمان يمثل البذرة، والعمل الصالح يمثل الماء، وكما هو معروف أننا إذا سقينا الأرض بالماء دون وجود بذور في تربتها فلن يثمر هذا الماء مهما كثر أي إنبات، وفي المقابل لو وضعنا البذور في باطن الأرض ثم لم نسقها ونتعاهدها فلن تنبت أيضا، كذلك الإيمان والعمل الصالح، فالإيمان الصادق ليس مجرد إدراك ذهني، أو تصديق قلبي، غير متبوع بأثر عملي في الحياة، بل إن الإيمان الحقيقي هو اعتقاد وعمل وإخلاص.
فإياكم أن تتصوروا أن هناك إيمانا بلا عمل، بل الحقيقة الإيمانية يجسدها العمل، والقرآن مليء بالآيات التي تربط بين الاثنين لينتبه المسلم إلى أهميتهما معا، فلا يهتم بأحدهما ويهمل الآخر، ولقد ذكر الله في كتابه العزيز صفات كثيرة لعباده المؤمنين، ولقد وصف الله تعالى المؤمنين في الآيات ببعض الصفات، وأكد أن المؤمن الحق هو الذي يأتي بها ووعد من أتى بها أن له درجات ومغفرة ورزقا كريما أولها كمال الخشية لله تعالى، فخشية الله تعالى مقام من أعلى المقامات وصفة من أسمى وأعلى الصفات، بل هي شرط من شروط الإيمان، والخشية خلق لا يتصف بها إلا عباد الله المتقين وأوليائه المحسنين، حيث قال الإمام الطبري رحمه الله ” ليس المؤمن بالذي يخالف الله ورسوله.
ويترك إتباع ما أنزله إليه في كتابه من حدوده وفرائضه، والإنقياد لحكمه، ولكن المؤمن هو الذي إذا ذكر الله وجل قلبه، وإنقاد لأمره، وخضع لذكره، خوفا منه، وفرقا من عقابه”.
الحقيقة الكبرى في هذا الوجود
اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.