مقالات ووجهات نظر

استبداد شيطان العصر الحديث

استبداد شيطان العصر الحديث

استبداد شيطان العصر الحديث

بقلم: محمود جلال 

استبداد شيطان العصر الحديث

– إن لعنة الاستبداد قد مثلت ” أم الكبائر ” على امتداد صفحات تاريخ الأمم والشعوب والحضارات، ومجابهة هذه اللعنة رهن بالوعى بالعواقب الكارثية لهذا الاستبداد.،

ولعل أكبر مصائب الأمم وأهم معاب الإنسانية أن الاستبداد يخدمه وسيلتين عظيمتين هما الجهل وانعدام القيم

وقد تخلصت الأمم المتمدنة نوعا ما من الجهالة ولكن بليت بشدة انعدام القيم تلك الشدة التي جعلتها أشقى حياة من الأمم الجاهلة، وألصقت عارا بالإنسانية من أقبح أشكال الاستبداد وكما قيل ” إن التعليم دون قيم مهما كانت فوائده يحول الانسان الى شيطان أذكى “، وقد يكون انعدام القيم هو اختراع الشيطان نفسه الذى أراد به أن ينتقم من أدم في أولاده أعظم ما يمكنه أن ينتقم،

فالله جلت نعمه خلق الانسان حرا قائده العقل فأوزع له الشيطان فكفر وأبى إلا أن يكون عبدا قائده الجهل، خلقه وسخر له أما وأبا يقومان بأوده إلى أن يبلغ أشده، ثم جعل له الأرض أما والعمل أبا، فكفر وما رضى إلا أن تكون نفسه أمه وهواها أباه، خلق له إدراكا ليهتدي إلى معاشه ويتقى مهلكه، وعينين ليبصر، ورجلين ليسعي، ويدين ليعمل، ولسانا ليكون ترجمانا عن ضميره، فكفر وما أحب إلا أن يكون كالأبله الأعمى المقعد الأشل الكذوب ينتظر كل شيء من غيره، وقلما يطابق لسانه جنانه، خلقه منفردا غير متصل بغيره ليملك اختياره في حركته وسكونه، فتشابك بالناس ما استطاع اشتباك تظالم لا اشتباك تعاون، خلقه ليشكره على جعله عنصرا حيا بعد أن كان ترابا، وليلجأ إليه عند الفزع، وليستند عليه عند العزم، فكفر وأبى شكره، وخلط في دين الفطرة الصحيح بالباطل ليغالط نفسه وغيره، خلقه يطلب منفعته جاعلا رائده الوجدان، فاستحل المنفعة بأى وجه كان، فلا يتعفف عن محظور صغير إلا توصلا لمحرم كبير، خلقه وبذل له مواد الحياة من نور ونسيم ونبات وحيوان ومعادن وعناصر مكنوزة في خزائن الطبيعة بمقادير ناطقة بلسان الحال بأن واهب الحياة حكيم خبير، فكفر الانسان نعمة الله وأبى أن يعتمد كفالة رزقه.

– وسبل ووسائل الشيطان لا تنفذ في أن تستبد وتستعبد الانسان بداية من البدع التي شوشت الإيمان وشوهت الأديان، مرورا بصرف الناس عن العلم،

فلا شك أن أضر شيء على الانسان هو الجهل وأضر أثار الجهل هو الخوف، وفى ظل الخوف فكيف يعرف الناس أن الحرية أفضل من الحياة، وأن يعرفوا النفس وعزها والشرف وعظمته، والحقوق وكيف تحفظ، والظلم وكيف يرفع، والإنسانية وماهي وظائفها والرحمة وما هي لذاتها، ولكن الحاصل أن الناس يذبحون أنفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشئ عن الجهل، فإذا ارتفع الجهل وتنور العقل زال الخوف وأصبح الناس لا ينقادون إلا لمنافعهم – فما انتشر العلم في أمة قط إلا وتكسرت فيها قيود الآسر-،

كذلك صرفه الناس عن الأخلاق الحسنة والميول الطبيعية فيضعفها أو يفسدها أو يمحوها مما يجعل الانسان يكفر بنعم مولاه ويجعله حاقدا على قومه وفاقدا حب وطنه وضعيف الحب لعائلته ومختل الثقة في صداقة أحبابه، والشيطان بذلك يهدف الى جعل الانسان لا يذوق في الكون لذة نعيم غير بعض الملذات البهيمية ليكون شديد الحرص على حياته الحيوانية وإن كانت تعيسة، وكيف لا يحرص عليها وهو لا يعرف غيرها، وهذا سبيله في أن يستولى على تلك العقول الضعيفة فيفسدها كما يريد ويتغلب على تلك الأذهان الضئيلة، فيشوش فيها الحقائق بل البديهيات كما يهوى، فأصبح لدى الناس وكأن النصح فضولا، والغيرة عداوة، والشهامة عتوا، والحمية حماقة، والرحمة مرضا، واعتبار النفاق سياسة، والتحيل والحيل كياسة، والدناءة لطف، والنذالة دماثة، وأصبح طالب الحق فاجر، وتارك حقه مطيع، والمشتكى المتظلم مفسد، والنبيه المدقق ملحد، والخامل المسكين صالح أمين، فيرغم الأخيار من الناس على ألفة الرياء والنفاق -ولبئس السيئتان-، ويعين الأشرار على إجراء غي نفوسهم آمنين من كل تبعة ولو أدبية، فلا اعتراض ولا انتقاد ولا افتضاح، لأن أكثر أعمال الشر تبقى مستورة برداء خوف الناس من تبعة الشهادة على ذي شر وعقبى ذكر الفاجر بما فيه، وقد اتفق الحكماء على أن فساد الأخلاق من المهلكات للأمم،

• ” إن الأخلاق أثمار بذرها الوراثة وتربتها التربية وسقياها العلم “.

-إلا أن الوسيلة الوحيدة والفعالة لقطع دابر سبله كلها هي في ترقى الأمة في الإدراك والإحساس وهذا لا يتأتى إلا بالتعليم، فالعلم قبسة من نور الله وقد خلق الله النور كشافا مبصرا ولادا للحرارة والقوة وجعل العلم مثله وضاحا للخير فضاحا للشر يولد في النفوس حرارة وفى الرؤوس شهامة، فالعلم نور والظلم ظلام ومن طبيعة النور تبديد الظلام، كذلك فإن معرفة الغاية شرط طبيعي للإقدام على كل عمل.

– وأيضا إنقاذ الأمم من فساد الأخلاق وذلك بفك العقول من تعظيم غير الله، وتقوية حسن الإيمان المفطور عليه وجدان كل انسان، ثم تنوير العقول بمبادئ الحكمة وتعريف الإنسان كيف يملك إرادته وحريته في أفكاره، واختياره في أعماله، وإطلاق زمام العقول والنظر الى الانسان بأنه مكلف بقانون الإنسانية ومطالب بحسن الأخلاق وذلك بأساليب التعليم المقنع وبث التربية التهذيبية بدون فتور ولا انقطاع وتحرير الضمائر.،

– وجملة ما أرمى إليه أن الانسان حتى لا يقع في حبائل استبداد العصر الحديث من جهل وانعدام للقيم والأخلاق أن يتبع النصائح الأتية:

1- أن يجتهد في ترقية معارفه لاسيما العلوم النافعة الاجتماعية والحقوق والسياسة والاقتصاد والفلسفة العقلية وتاريخ قومه الجغرافي والطبيعي والسياسي.

2- أن يتقن أحد العلوم التي تكسبه في مجتمعه موقعا محترما وعلميا – فإن لم تكن زيادة للدنيا فأنت زائد عليها-.

3- أن يحافظ على آداب وعادات مجتمعه غاية المحافظة.

4- أن يحرص على أن يعرف بحسن الأخلاق لاسيما الصدق والأمانة والثبات على المبادئ.

5- أن يظهر الشفقة على الضعفاء والغيرة على الدين والعلاقة بالوطن.

– حينئذ يعلم الانسان معنى الحياة الطيبة: هل هي حياة الجسم وحصر الهمة في خدمته؟، أم هي حياة الروح وغذاؤها الفضيلة؟، ويومئذ يتسنى للإنسان أن يعيش كأنه عالم مستقل خالد، كأنه نجم مختص في شأنه، مشترك في النظام.

” والله ولي المهتدين”

 

استبداد شيطان العصر الحديث


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة