مقالات ووجهات نظر

كان يدفعُني الشوقُ دائمًا للمرحلةِ الثانويّة 

بقلم : بسنت صلاح عباس

كان يدفعُني الشوقُ دائمًا للمرحلةِ الثانويّة

 

كان يدفعُني الشوقُ_ دائمًا _للمرحلةِ الثانويّة ؛ هذه السنواتُ مابين نهايةِ الطفولةِ و بدايةِ النُضجِ ..

لم يخبرني أحد بما سأقابله إذا كبرت،

لم يقل لي أحد أني سأسهر أرقًا، وأنام هربًا،

لم أعرف أنّ لقلبي المسكين نصيبًا من خذلان الأصدقاء وفراق الأحباب، وفقدان الأشياء التي يريدها.

أتذكرُ أيامَ المدرسةِ و الاستيقاظَ باكرًا ،

زيَّ المدرسةِ الذي كُنا نُكرَه عليه ،

وقفةَ الطابورِ الطويلةِ ،

و صوتَ الإذاعةِ الشجيَّ ،

صديقتي وهي تقولُ :الحصة الأولى ستكونُ لمن !

وقتَ الفسحةِ و اختلاط الفتياتِ من كل الفصولِ ببعضهن فلا نميّزُ بعضنا إلا عند دقِّ الجرسِ.

إرهاقَ الحصةِ الأخيرةِ ،

و الحنينَ للحظةِ المُغادرةِ !

و أحاديثَ كثيرةً ، و مُراهقةً مَرحةً و جزءًا كبيرًا من أنفسنا ..

كان يدفعُني الشوقُ_ دائمًا _للمرحلةِ الثانويّة ؛ هذه السنواتُ مابين نهايةِ الطفولةِ و بدايةِ النُضجِ .

كم منّا في بدايات الطلب كان يطرق بابَ العلم ولسان حاله يقول: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا﴾

يمنّي نفسه بالثمرات العظيمة، ويمدّ عينيه إلى تلك الغايات البعيدة؛ التي يبتغي فيها أن يكون العلم وسيلة توصله لله تعالى، وطريقًا يعبر بها إلى الفقهِ في دينه وإعلاءِ كلمته، ونصرة الأمّة..

ثمّ دارت رُحىٰ الأيام.. وها هو ذاك الذي منّى نفسه بالصبر ينسى، ويفتر ويملّ، وتغيب عنه مقاصد الطريق، وتغلِب عليه رتابة التلقي وتراكم المواد وتشتت السبل..

أذكّرك بعهد التصبر الأول، و أنّ الله لا يضيع عنده سعيٌ ولا جُهد، وأنّ هذه رحلة صعبةٌ لا ينجو منها أحد، ولن تبلغ الغاية إلا بالصبر واليقين والتمسك بحبل الله المتين؛ فراجع غاياتك، ولا تبرح الأعتاب حتى تبلغا

بقلب شجاع صابر ، كلما تكدَّرت الحياة أو اشتدت عليه صعوباتها لم يزدد إلا توكلًا وحمدًا، مستمرًا في سعيه وطريقه الطويل العاثِر متألّمًا متأمِّلا في لذة الوصول التي ستنسيه كل ما عانى وصبر. قلبه في هذا الطريق بين ثبات حينًا وتقلُّب أحيانًا؛ يثبته فيه دعاؤه بـ «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» وهو يضرب على صدره موقظًا هذا القلب من غفلته أن لا تبتئس ولا تيأس فما عودنا ربنا إلا خيرًا وما عرفناه إلا برًّا منعمًا.

ينادي على نفسه كل حين أن يا نفس؛ تصبَّري ولا تجزعي، الذي خلق هذا الطريق خلق فيك أقدامًا تمشي وقلبًا شغوفًا يتشبث بالرضا وغاية لا تُنال إلا لصادق مثابر، لا توقفه العثرات بل يشتد بها عوده وتصقل بها روحه ولا يبرح قلبه يهتف كما عوّد لسانه دومًا أن ظننا بالله أنه لن يضيعنا..

 

كان يدفعُني الشوقُ دائمًا للمرحلةِ الثانويّة


اكتشاف المزيد من جريدة المساء العربي

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة