قراءة نقدية لديوان  بقيتِ فين للشاعر ناصر الدسوقي د. إكرام عيد

قراءة نقدية لديوان  بقيتِ فين
للشاعر ناصر الدسوقي
د. إكرام عيد

“بقيتِ فين” للشاعر ناصر الدسوقي يمثل تجربة شعرية م والحنين إلى الماضي حيث يرصد التحولات الإجتماعية والشخصية التي ألمت بالإنسان والبيئة المحيطة به.
النصوص الشعرية تعكس تأملات عميقة في العلاقة بين الفرد والمجتمع، وكيف أن الزمن قادر على تحويل الأحلام الجميلة إلى ذكريات مؤلمة.
القصائد في الكتاب تتناول موضوعات متنوعة مثل الحنين إلى الطفولة .

الشعور بالخذلان التغيرات الاجتماعية، وحالة الفقد.
غـدَّار يا طَـرْح القُلُـوب غـدَّار
بعـد ما وَلَّـع فى قلبـي
واتْقَلَّـبْ على جَمْـرُهْ
بعـد ما سِهِـر لِيلُه
وِبقَـا مغلُوب على أمــرُه
مَـ دا اللى قبلَك مَـ عِـرِف الحُبْ طُول عُمرُه

تُجسد هنا مشاعر الحزن والخيانة بأسلوب شعري متميز، حيث يتناول فيها الشاعر تقلبات الحب وما يسببه من ألم.
كما أن القصيدة تتبع بنية بسيطة تساهم في وضوح الرسالة، حيث تتكرر العبارات الدالة على الغدر والخيانة، مما يعزز من الشعور بالحزن ويُبرز القلق الذي يحمله الشاعر تجاه الحب.

القصيدة التي تحمل عنوان الكتاب “بقيتِ فين”

وكنتـى تمـشـــي وشـالِك على كـِتــافِـكْ
دَلعـانـَه وعجبـانـه
تِخَـطِّـي برجلك يِـدُق خُلخالِكْ
يِحَـرَّك السَّاكـِن يا خَيْلانه
وضحكتـك كّيِّ النسيـم تِشفي العـليـل
وإنـتِ اللي صَفْيَـانَـهْ
ما إنتِ الوحيـده دون البنـات

تتناول بشكل خاص التحولات التي طرأت على شخصية كانت يوماً ما جميلة وقوية ولكنها انهارت بفعل الزمن والظروف.
الشاعر يعبر عن مشاعر الغربة والتغير ويضع القارئ أمام سؤال جوهري: كيف يتحول الجميل إلى باهت والمألوف إلى غريب؟
اللغة المستخدمة في القصائد هى اللهجة العامية مما يضفي عليها طابعاً شعبياً يقرّب النصوص من القارئ.

استخدام العامية يعزز من صدق التعبير ويسمح للشاعر بنقل المشاعر بوضوح وقوة.
الأسلوب يتميز بالسلاسة والبساطة، مع احتفاظه بعمق المعاني وثراء الصور الشعرية.
الصور الشعرية في القصائد غنية ومؤثرة .

كان يا ما كان ــ كان يا ما كان
كان لينـا بيت كان في أمــان
كان فـى مَـوده كان فى حنـان
كُنـتِ علينــا بِتـطَبطَـبِـي
كُنــتِ اِلأصيلــهْ مِـن غِيـر كـلامْ
كُنــتِ الجميلــةْ بَـدْرِ التَّمـامْ
كُنــتِ اَلصَّبِيَّـهْ وِانــتِ اِلمَـدامْ

ولا يُـوم نِشُـوفِـك تِكـذِبِـي
دِلـوقـتِـي لِيـهْ بِتِـتجَـبّـَرِي
وِبْـقَـسْــوِتِـكْ بِـتْعَـبَّـرِي

يتناول ناصر الدسوقى هنا موضوع التغير والتحول في العلاقات الإنسانية، حيث ينتقل السرد من حالة ماضية مثالية إلى حالة حالية مليئة بالتعقيد والقسوة .

النص يعتمد على أسلوب بسيط ومباشر، يتميز بتكرار العبارة “كان يا ما كان”، وهي استهلال تقليدي للحكايات، ما يضفي على النص طابعًا حكائيًا ويعزز من شعور الحنين إلى الماضي. التكرار في النص ليس فقط أدبيًا بل يعكس إلحاح الشاعر على تذكير القارئ بالحالة المثالية السابقة .

كما يستخدم الشاعر يستخدم صورًا بلاغية قوية لتعكس المشاعر المختلفة، مثل “بِتـطَبطَـبِـي” التي تصور العناية والحنان بشكل حسي.
الانتقال إلى القسوة يظهر في تعبيرات مثل “بِتِـتجَـبّـَرِي” و”بْـقَـسْــوِتِـكْ”، مما يبرز التناقض بين الماضي والحاضر ويعزز من حدة الشعور بالخيبة.

كما أن النص يبرز التحول العاطفي بشكل تدريجي، حيث يبدأ بالحنين إلى الماضي السعيد ثم ينتقل إلى الشعور بالحيرة والألم تجاه التغير الحالي.
هذا التدرج يعكس بشكل واقعي التغيرات في العلاقات وكيفية تأثيرها على الأفراد .

كما أن الشاعر يستخدم الرمزية بكفاءة لتمرير معانيه فمثلاً “القروش” و”الحصّالة” في قصيدة “بقيتِ فين” ترمز إلى البساطة والفرح في الطفولة بينما ترمز “الخلخال” و”التعب” إلى فقدان الجمال والحيوية.
هناك إحساس بالحنين في تذكير القارئ بالماضي الذي كان مليئاً بالفرح والتفاصيل البسيطة .

من نقاط القوة في الكتاب هو قدرته على ملامسة وجدان القارئ من خلال تصوير حياة مألوفة تتبدل بفعل الزمن.
ومع ذلك، يمكن القول إن بعض القصائد قد تحتوي على تكرار في الموضوعات أو الصور مما قد يخفف من تأثير بعض النصوص .

“بقيتِ فين” هو عمل شعري يبرز قدرات ناصر الدسوقي في التعبير عن المشاعر الإنسانية والتغيرات الاجتماعية بأسلوب بسيط وقريب من القلب.
إنه دعوة للتأمل في الماضي والحاضر، وكيفية التعامل مع الزمن الذي يغير كل شيء.
الديوان يعتبر إضافة قيمة إلى الأدب العربي الحديث، وينصح به لكل من يهتم بالشعر الذي يعبر عن الواقع بمفردات صادقة وبسيطة .

قراءة نقدية لديوان  بقيتِ فين
للشاعر ناصر الدسوقي
د. إكرام عيد